مع عودة البحث في تأسيس خطّ بحري للصادرات اللبنانية، برزت بعض المؤشرات التي تستهدف «تحفيز» عمليات دعم كلفة النقل، أي تسديد قيمة الفرق بين كلفة النقل البرّي وكلفة النقل البحري من الخزينة العامة، مثل انخفاض سعر اليورو مقابل الدولار. وظهر أيضاً أن نتائج العزلة البرية لم تصب لبنان حصراً، بل هي أصلاً أصابت سوريا وامتدت إلينا منها... فما هي تداعيات انخفاض سعر اليورو على تنافسية الصادرات اللبنانية في أسواق الخليج؟ وما هي حقيقة تداعيات العزلة البرية على أسواق لبنان الخارجية والمحلية؟


نتائج العزلة البرية

يرى الوزير السابق شربل نحاس، أن «إغلاق معبر نصيب على الحدود الأردنية ــ السورية، جعل لبنان وسوريا عبارة عن جزيرة، وبات لزاماً علينا إعادة ترتيب خطوط تجارة لبنان الخارجية بما ينسجم مع وضعه الجديد، أي الاعتماد على شبكة نقل بحرية. دعم التصدير عبر الخط البحري له مبرّراته بسبب فرق الكلفة مع النقل البري، لكن يجب أن يكون متصلاً بأمرين حتى لا يتحوّل إلى مزراب إضافي للمال العام؛ أن يكون ظرفياً ومؤقتاً ويساوي كلفة النقل الفعلية، وأن يكون هناك تفاضلية دعم للسلع التي فيها قيمة مضافة مرتفعة، لا لتلك التي لا تتجاوز قيمتها المضافة أكثر من 10%».

كلام نحاس يعني أن هناك صناعات لبنانية تستورد من الخارج كل عناصر السلع التي تنتجها، وهي تقوم بتجميعها فقط وبآلات مستوردة أيضاً، وبالتالي فليس هناك مبرّر واضح لتقديم الدعم لهذه المنتجات سوى في تعزيز أرباحها بدلاً من مساعدتها على تخطّي الظروف الصعبة للمرحلة. لذلك، فإن دعم المنتجات الزراعية قد يكون مبرّراً أكثر نظراً إلى القيمة المضافة الكبيرة فيها.
ويشير نحاس إلى أن الاعتماد على النقل البري بصورة شبه حصرية كان يكرّس هيكلية معينة في السوق تطال طرق الإنتاج والمواصفات والسلع المنتجة. أما الانتقال اليوم إلى النقل البحري بصورة شبه حصرية، وإن كان يتطلب وقتاً غير قصير، فقد يبرّر التغيّرات التي قد تطرأ على الإنتاج والسلع «فعلى سبيل المثال، إن لبنان وسوريا أصبحا معزولين برّياً، وفي ظل العقوبات على سوريا، فإن لبنان أصبح المنفذ شبه الوحيد لسوريا استيراداً وتصديراً. سيكون للعزلة البرية وقعاً على العلاقة الثنائية بين لبنان وسوريا، وسنرى هذا الأمر في اسعار المواد الغذائية التي قد لا تجد سوقاً لتصريفها سوى في لبنان، او لتصديرها من لبنان وربما سيزيد التهريب كما رأينا خلال الأسبوع الماضي عن تهريب البيض من سوريا. وفي المقابل سيعمل اللبنانيون على توفير السلع المطلوبة في السوق السورية...».

تراجع سعر اليورو

أما بالنسبة لانعكاسات انخفاض سعر صرف اليورو، فهذا الأمر يستدعي البحث على ثلاثة صعد؛ الأول يتعلق بأثر صادرات لبنان إلى أوروبا. والثاني يتعلق بأثر صادرات أوروبا إلى لبنان. والثالث هو عن أثر صادرات لبنان ودول الاتحاد الأوروبي في الأسواق الخارجية لكليهما.
في السوق اللبنانية، إن انخفاض سعر اليورو يعني انخفاض أسعار السلع الأوروبية، وبالتالي يستفيد المستهلك من هذا الأمر اذا لم تحتكر التكتلات التجارية الاستفادة من هذا الخفض. وبالتالي تنخفض اسعار البضائع الأوروبية تجاه البضاعة المستوردة، ولا يتضرر الاقتصاد اللبناني إلا إذا كان هناك صناعات محلية مماثلة للصناعات الأوروبية «وهي إن كانت موجودة، فهي قليلة جداً. فلبنان لا ينتج أدوية ولا مواد زراعية، بل هناك بعض الصناعات المحلية مثل النبيذ علماً بأن النبيذ الفرنسي هو أصلاً أرخص من النبيذ اللبناني... وبالتالي فإن عنصر الاستبدال لدى المستهلك بين المنتجات المستوردة سيكون متاحاً وخياراً يمكن أن يمارسه قياساً لحاجته وللاسعار».
اما بالنسبة لصادرات لبنان إلى أوروبا، فإن انخفاض سعر صرف اليورو سيؤثّر سلباً على صادرات لبنان لأن كلفة الإنتاج تحتسب على اساس الدولار «لكن من المهم التمييز بين الأثر الناجم عن انخفاض سعر الصرف وبين أصناف البضائع. هناك بعض صادرات الصناعات الغذائية لكنها لا تتنافس مع بضائع اوروبية، بل تتنافس مع بضائع منتجة في الشرق الأوسط وكلفتها أيضاً تحتسب بالدولار، وبالتالي فإن الأثر السلبي يطال الجميع ولا يكون له تأثير إلا إذا كانت كلفة البضائع المنتجة تحتسب على أساس اليورو».
عموماً، إن الأثر الأكبر هو في تنافس صادرات لبنان وأوروبا في الأسواق الخارجية، وخصوصاً في الأسواق الخليجية حيث ارتفعت كلفة التصدير على اللبنانيين، وبالنسبة للبضائع المماثلة وهي في غالبيتها بضائع زراعية لا صناعية.
يستنتج نحاس أن «الأذى سيكون موضعيا، والصورة الإجمالية لتأثير انخفاض سعر صرف اليورو على اقتصاد لبنان قد تحمل الكثير من الإيجابيات مقابل بعض السلبيات، وبالتالي فإن الصورة الإجمالية ستكون لمصلحة المستهلك اللبناني.