«سنعمل على إزالة التعديات على الملك العام البحري من العريضة الى الناقورة»، هذا ما يقوله المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم لـ»الأخبار»، معلناً نيته بدء «تطبيق القانون». إلا أن كلام ابراهيم تُرجم واقعاً عبر إنذارات الإخلاء التي تلقاها أهالي جل البحر في صور (الجنوب) منذ أسابيع، وأهالي منطقة عرمان في المنية (الشمال)، كذلك بعض الادعاءات على أشخاص في مناطق مختلفة أقاموا مساكن لهم على الشاطئ...
بمعنى ما، لم تجرؤ «السلطات» إلا على «الفقراء» الذين لم يجدوا غير البحر مأوى. ماذا عن المؤسسات السياحية الضخمة التي تغتصب آلاف الأمتار؟ هل سيتم تطبيق القانون عليها؟ هنا تتغيّر نبرة القاضي ابراهيم، ويبدأ الحديث عن «تسويات» على ظهر القانون وعلى حساب الناس وحقوقهم. يقول إنه اجتمع إلى نقابة المؤسسات السياحية وطلب منها «الضغط على مجلس النواب لإقرار قانون ينصفهم ويسوي أوضاعهم». هكذا إذاً يبدو المشهد، المنازل السكنية تعطى إنذارات للإخلاء ويتم الادعاء على السكّان، فيما يُستمهَل أصحاب المؤسسات السياحية والصناعية وأصحاب النفوذ الى حين صدور قانون «يُنصفهم». بل أكثر من ذلك، فإخلاء السكان من «العشوائيات» التي حُشروا فيها حشراً في موازاة البحث عن «تسويات» تخدم مصالح الرأسماليين محتلي الملك العام يهدف الى إيجاد مساحات عقارية إضافية للسطو عليها من قبل هؤلاء، فمشروع القانون المطروح يكرّس استثمار الشاطئ والبحر لأغراض ربحية لا تمت بصلة لحقّ اللبنانيين واللبنانيات بالانتفاع المشترك بأملاكهم العامّة. في 13 تشرين الأول 2014، عقدت نقابة أصحاب المؤسسات السياحية البحرية مؤتمراً صحافياً طالبت فيه بقانون تسوية «عادل» يجنبهم غرامات مالية تراكمت على مر سنوات تعدياتهم. حينها، توسّلت العفو، كمجرمي الحرب، واشترطت على الدولة: «إذا أردت المراد، فاطلب المستطاع».
لم يكن المستثمرون المحتلون والمعتدون ليتكلموا بهذه «النبرة» لو لم يستمدوا دعمهم ممن شرّع لهم تعدياتهم واحتلالاتهم. هذا الدعم لا يزال قائماً حتى اليوم، فاللجنة النيابية المكلّفة دراسة اقتراح قانون تسوية إشغال الأملاك العامة البحرية، «حرصت» على حضور ممثلي النقابة جلساتها، كي تضمن، ربما، أن الصيغة التي خرجت بها تكون «منصفة» لهم. في حديث إلى «الأخبار»، يقول رئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية جان بيروتي إن اقتراح القانون «يعدّ موضوعياً نسبياً»، كلام بيروتي تثبته مواد القانون التي «اعترفت» للمعتدي بحق التعويض، وغيّبت الرادع الجدّي القانوني وقلّصت الغرامات الى أدنى مستوى. لذلك يرى المحامي إيلي خطّار أن «المقاربة الأساسية لهذا القانون تنطلق من اعتبار إشغال الأملاك العامة البحرية مناسبة لاقتناص مزيد من المال العام عوضاً عن الحفاظ على الملك العام البحري عن طريق تحريرها من كل إشغال وعدم إعطائه طابع الشرعية»