ماذا يتبادر إلى ذهنك عند التفكير في «أمين المكتبة»؟ الإنسان الهادئ، المثقف، الخجول، الأخرق، المخيف نوعاً ما، المنطوي، القديم الطراز، والعديم الفائدة؟ اسمحوا لي بأن أصحِّح هذه الصورة:أمين المكتبة هو جسر بين كيانين: الناس والمعلومات. أمين المكتبة هو الذي يحدد من هو بحاجة للجسر، وأين ومتى وكيف سيُبنى، وكيف يمكن استخدامه.
نحن في معركة مستمرة مع الصور النمطية المرسومة في أذهان الناس حول أمناء المكتبات، وهي صورة تمنعنا من القيام بعملنا على أكمل وجه. فإذا لم يعاملنا الناس باحترام، فلن نستطيع أن نقدّم لهم خدماتنا بشغف، وأن نساعدهم في الحصول على معلومات موثوقة ستزيد حتماً من معرفتهم وتوسّع آفاقهم.
ليس من السهل العثور على وظيفة تستطيع من خلالها إحداث فرق في حياة الناس. لآلاف السنوات، قدم أمناء المكتبات للناس الموارد والخدمات والتدريبات اللازمة لتوسيع معرفتهم وثقافتهم. عندما اخترع السومريون الكتابة في 3500 قبل الميلاد، كانوا بحاجة إلى أشخاص لتنظيم كل ما كُتب وحفظه، وتكريماً لدور هؤلاء، سُمَّوا "آلهة الكون".
تُعَدّ «المعلومات» من أثمن الموارد في القرن الـ21، ونحن حماة هذا المورد. هل بإمكانك أن تتخيل أنك وصيٌّ على أهم مورد في العالم؟ في الماضي، كان امتلاكك للأرض يجعلك الأقوى، ثمّ جاءت سلطة المال. أما اليوم، فمصدر القوة هو المعلومة. هل كنت تعلم أن جون إدغار هوفر، الذي كان أول رئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وماو تسي تونغ، الأب المؤسس لجمهورية الصين الشعبية، كانا أمنَي مكتبات في فترة ما في حياتهم؟
كيف يمكن أن تكون أمين مكتبة ناجحاً؟
غوغل يعطيك ألف إجابة، لكن أمين المكتبة يعطيك الجواب الصحيح

أقول لكم عن تجربة:على أمين المكتبة أن يستمتع أولاً بمساعدة الآخرين وخدمتهم. هذا أساسي. وعليه أيضاً أن يهتم بتطوير الخدمات والموارد التعليمية والترفيهية وتوفيرها، مثل الكتب، الأفلام، الموسيقى، المواقع الإلكترونية، وقواعد البيانات، وأن يرغب في البحث عن المعلومات والمحافظة عليها، ساعياً إلى تكريس المصلحة العامة في المجتمعات. في الوقت ذاته، عليه أن يحترم حقوق الناس ويدافع عنها في الخصوصية وحرية اختيار ما يريدون قراءته، ساعياً إلى توفير كل مصادر المعلومات التي تقدمها المكتبات في متناول جميع زائريها ومستخدميها.
أتريد أن تعمل في مكتبة؟
أولاً، في هذه المهنة الجميلة لا يتعلق كل شيء بالكتب. المكتبات هذه الأيام تهتم بأشياء أخرى أيضاَ. مثلاً، عليك أن تمتلك مهارات تواصل جيدة، لأنك ستتعامل مع عدد كبير من الناس، وأن تكون مهتماً بالتكنولوجيا. هل سمعت بالأرشفة التكنولوجية؟ إذا كنت خائفاً من التكنولوجيا والتطور، فليس باستطاعتك العمل في المكتبات، إذ إنها من أول من استخدم التكنولوجيا لتطوير نظام حفظ المعلومات والأرشفة.
كذلك هناك العديد من الأدوار التي يمكن أن تقوم بها داخل المكتبة: كالرقمنة، الأرشفة، أن تكون المرجع لإيجاد المعلومات، أن تهتم بالقسم الموسيقي أو الأدبي أو القانوني أو الطبي أو الأكاديمي، أن تعمل في المكتبات العامة، أو مكتبات المدارس أو المتاحف.
يعتقد الكثيرون أن محرك البحث «غوغل» والمكتبات الرقمية ستحل محل المكتبات التقليدية، وأن أمناء المكتبات سيخسرون عملهم. يقول الكاتب نيل غيمان عند الحديث عن قيمة المكتبات وأمناء المكتبات إن «غوغل يعطيك 100,000 إجابة، أما أمين المكتبة فيعطيك الجواب الصحيح». وللدلالة على ذلك، أثبت بحث قامت به جامعة كاليفورنيا، بيركلي في عام 2013 أن أمناء المكتبات لديهم القدرة على إيجاد الجواب الصحيح أكثر من «غوغل».
مهنتنا قد لا تبدو براقة ولافتة للأنظار، ولكن في القرن الـ 21 أمين المكتبة هو مصدر كل معرفة. يعتمد الأطباء علينا للمساعدة في تزويدهم بأحدث البحوث، والطلاب يأتون إلينا لإنجاز دراساتهم الجامعية، والباحثون يطلبون تعاوننا في مشاريعهم، ورجال الأعمال يلجأون إلينا للحصول على الإحصاءات والبيانات. ويرى غيمان أن «المكتبات هي الخط الأحمر الرفيع بين الحضارة والهمجية».
كأمناء مكتبات، نحن أوصياء على تاريخنا وتراثنا، خاصةً في يومنا هذا مع انتشار الحروب في منطقتنا، ولا سيما في العراق وسوريا. في ظل هذه الحروب التي تهدد مجتمعاتنا، من المهم أن نعي ضرورة توثيق وحفظ تراثنا الثقافي والعرقي والحضاري الذي سيكونه إرثاً للأجيال القادمة.
منذ خمسة وعشرين عاماً، توقّع الكثيرون نهاية زمن الكتب المطبوعة والمكتبات وأمناء المكتبات. ولكن نحن، أمناء المكتبات، أثبتنا قدرتنا على التكيّف والتطور والبقاء على قيد الحياة من خلال استيعاب التغيرات في المجتمع، وخاصةً التكنولوجية، وبالتالي تغلبنا على كل التحديات. لقد تركنا بصمتنا في العالم. اليوم، نطمح إلى فتح آفاق جديدة في العصر الرقمي والارتقاء إلى مستوى التحدي من أجل الحفاظ على المكتبات في المستقبل. ولهذا السبب، إني فخورة بأن أكون أمينة مكتبة.