زينب فياضلم أكن أعلم أن وأد النساء يمكنه أن يستمر من العصر الجاهلي إلى الآن. لم يتوقف، لكنه عاد بتمظهرات جديدة. كنت أعتقد أن الدين والشرع سيكونان سنداً لي. هكذا علّمونا منذ الصغر أنه دين رحمة وجاء لينصف المرأة ويحصن حقوقها. هكذا يجب أن يكون. ولكن ما وجدته وواجهته لم يكن كذلك.
كل ما أعرفه أنني حين احتجت إلى إنصاف من الشرع ورجال الدين في محاكمنا الشرعية، لم أجد سوى الخذلان والتبرّؤ والنفور والاستغلال. ما وجدته في أروقة المحاكم الشرعية أكد لي أن هذا الشرع الذي يتفاخرون به ويعزز من رجولتهم أمام النساء لا يمتّ بصلة إلى رحمة الله وعدله وحكمته. بات الأمر قضية على مستوى الوطن. محاكم شرعية تتآمر على الإنسانية والأخلاق والعدل.
أين المحاكم الشرعية من شرع ذاك الشيخ الذي ساومني بزواج مؤقت ليهبني حضانة أولادي؟

قضية فاطمة حمزة هي الدفاع الذي سيجعل كل امرأة تخرج لتواجه هذا المجتمع بسخط وقوة. كلنا فاطمة الأم الحبيسة. كلنا حبيسات الاضطهاد من المحاكم الشرعية.
هذا الشرع الذي أحلّ لرجل الدين، الذي عقد قراني وأنا بعمر التاسعة عشرة، أن يقنعني لأتخلى عن مؤخر صداقي، بحجة أن المبلغ مبالغ به وشرعاً لا يجوز، لأقبل بمؤخر عبارة عن حج وزيارة، من دون علم أهلي وبعد عقد القران. هذا ما أسميه الغبن. كيف لمن هي بهذا العمر أن تقرر ما هو صواب أمام هيبة رجل دين علّمها المجتمع أن تحترمه مهما فعل، فهو صاحب القدسية يمنع الشك بنزاهته؟ أين كان رجال الدين حين ضُربتُ وأُهنت أمام أولادي وعُنّفت وأُبعدتُ عن أهلي مكرهة على تقبل الأمر؟ لأن هذا المجتمع المحصن بالشرع يعاتبني إن طالبت بالطلاق. دائماً هناك خيارات عنيفة تُجبر المرأة على قبولها كي لا يقال عنها المطلقة. أين هو الشرع حينما استنجدت به ليحل مشكلتي ويحررني من الذل؟ فرفض بحجة أن لا أسباب تُذكر تدعو الى الطلاق. الموت اليومي المكرر هذا لا يدعو إلى الطلاق! كل حجج محاكمنا الشرعية: لديك بيت شرعي ونفقة، لذلك لا مبرر ليجبر الحاكم الشرعي الرجل على أن يطلق. حسناً عزيزي الحاكم الشرعي: البقرة في مزرعة عمتي لديها بيت يؤويها ومرعى. حسناً أيها الحاكم بأمر هواك. هل تعلم أن أطفالي يعانون من ألف عقدة نفسية؟ ألم يشرّع دينك أن للإنسان عزة توازي عزة الكعبة. أين الشرع الذي تملص من مساعدتي؟ كل رجال الدين الذين التجأت إليهم كانوا يفضلون موتي البطيء في بيت الزوجية على عار الطلاق.
الوأد يعود مجدداً، ولكن على هيئة أحكام شرعية. أظن أن الله بريء منها.
أين المحاكم الشرعية من حرماني من حضانة أولادي ومشاهدتهم؟ هم يبتسمون بسخرية أمامك "هذا جزاء من تطلب الطلاق. لتقلعي شوكك بيديك"، أين المحاكم الشرعية من شرع ذاك الشيخ الذي ساومني بزواج مؤقت ليهبني حضانة أولادي؟ لن أخفي سراً إن قلت إن محاكمنا الشرعية تحوي رجال دين لم يسمعوا يوماً بالنزاهة والعدل. يحركهم رجال دولة وقادة أحزاب وحركات وتيارات. يمكنهم أن يتراجعوا عن حكم بمجرد أن تُحرك أمامهم عصا السلطة والمال. ما عانيته منذ سنوات هو معاناة كل امرأة أنا تجرأت وصرخت بأعلى صوتي. رغم ذلك، لم أكتب إلا القليل القليل مما أملكه بالأسماء والأدلة على ظلم المحاكم الشرعية في لبنان. ما كتبته ليس إلا غَرفة من يمّ هذا الظلم الذي أغرقونا به. وأنا أكتب هذا الموضوع، كنت بصحبة أولادي الممنوعة عنهم منذ أشهر. كدت بتحدّ كبير أن أقطع زيارتي مع أولادي لأكتب هذا النص لأن الوقت ضيق ولا بد من تقديمه بأسرع وقت للمعنيين. تذكرت أن هناك ألف فاطمة وزينب ينتظرن من قادتهن ورجال الدين القيامة بخطوة إيجابية. وإلا سيتحمّلن عواقب ما سيحصل لاحقاً. لن يسكت المجتمع المدني على هذه الخروقات الفاضحة في محاكمنا الشرعية. انتبهوا، سيتحوّل هذا المجتمع إلى قاضٍ يأخذ حقه بيده.