مقالات مرتبطة
-
سجينة بتهمة «أُمّ» راجانا حمية
التمييز بين القضاءين الشرعي والقضائي هو تمييز إداري «مفتعل»
شروط اختيار القضاة، في ظاهرها، تشبه ما يحدث في القضاء المدني. بمعنى أن الدخول إلى «ملاك القضاء الشرعي» يحدث بعد أن ينجح المترشح في مباراة يجريها مجلس القضاء الشرعي الأعلى، وفق معايير يصنّفها المجلس نفسه، لجهة معدلات العلامات في المباراة. وهناك تفاصيل تقنية، حيث إن المواد الأساسية في الامتحان ــ بطبيعة الحال ــ يجب أن تكون الفقه، الشريعة، والقانون. وطبعاً، يكفي أن تكون الدراسة «حوزوية». الجامعة ليست ضرورية. وفقاً لقانون المحاكم الشرعية، المادة 450 تحديداً، يجب أن يكون المترشح لبنانياً، وسنّه بين الخامسة والعشرين والثامنة والأربعين، متمتّعاً بحقوقه المدنية والسياسية، غير محكوم من مجلس تأديبي بما يخلّ بالشرف. وهذه مفارقة أولى، أي الاعتراف بالقضاء المدني اللبناني وتفوّقه المفترض على القضاء الشرعي. القانون المدني مرجع لنظيره الشرعي في تحديد الأهلية، وهذه المفارقة تصلح لأن تكون مدخلاً جدياً للسؤال عن جدوى القضاء الشرعي من أساسه، من الناحية القانونية، ما دام الأصل موجوداً، وهو القضاء المدني. المفارقة الثانية، هي العلاقة بين النجف الأشرف وقم الإيرانية. فالقانون يوجب على المترشح أن يكون قد حاز شهادة الدروس الدينية العليا أو إجازة في الحقوق من كليةٍ تدرّس فيها أحكام الشريعة الإسلامية. ساد لوقتٍ طويل أن تكون هذه الكلية في النجف، وليس في قم. لكن لا يخفى على أحد أن قم صارت تلعب دوراً مرجعياً في تخريج رجال الدين الشيعة. وهذا ما يحيل مجدداً إلى التجاذب بين القطبين السياسيين، حزب الله وحركة أمل. الالتباس، أو «الحزورة» ليست هنا. القانون نفسه «مثقوب». وفقاً للمادة 452: «يعيّن كلّ من رئيسي المحكمتين الشرعيتين السنّية والجعفرية من بين مستشاري هاتين المحكمتين أو من بين القضاة الذين بلغوا الدرجة السادسة وما فوق، أو من بين العلماء الشرعيين المشهود لهم بالتفقه والعلم، شرط أن لا يكون أيّ منهم قد تجاوز الثامنة والأربعين من عمره. ولكي يكون من العلماء الشرعيين المشهود لهم، لا بدّ من أن تكون الشهادة إما من المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف أو من الهيئة الشرعية المركزية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتوقيع رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو ممن يشهد له بضعة من كبار علماء الطائفة بالفقاهة والاستقامة». وهذه «الشهادة» تتخذ صيغة مطاطة، وبرأي كثيرين، هي «باب خلفي» لتعيينات سياسية، فضلاً عن كونها تربط مصائر أحوال لبنانيين كثر بمرجعيات خارج البلاد (النجف الأشرف). وهو ربط قانوني «موصوف»، وليس ربطاً سياسياً على الإطلاق.
أكثر من ذلك، التمييز بين القضاءين الشرعي والقضائي هو تمييز إداري «مفتعل»، إذ تعود المحاكم إلى ملاك رئاسة المجلس الوزراء، بينما يعود القضاء العدلي إلى وزارة العدل حصراً. والقول إنه «مفتعل» لا يأتي من فراغ، بل هذا التمييز، في الأساس، حدث لأن رئاسة الوزراء يشغلها «مسلم». وفيما يعتقد كثيرون أن «طائفة الرئيس» مسألة دستورية، الحال أنها ليست كذلك، بل هي مسألة عرفية. والحال أن التمييز لم يكن لفصل القضاءين أحدهما عن الآخر، بل لكي لا يكون هناك سلطة لشخص «غير مسلم» (وزير العدل) على المسلمين. مأسسة طائفية موصوفة. وأمس سجنت فاطمة بسبب الخلل في العمل في هذه المؤسسة وبين هذه المؤسسات مجتمعة. ولكن سجن الناس ليس مسألة «مزاج». في جميع الحالات، يتطلب سجن شخصٍ ما وجود جرم جزائيّ حسب قانون العقوبات. ما هو الجرم الجزائي الذي ارتكبته فاطمة؟ دعونا نخمّن قليلاً: الانتماء إلى «طائفة» في دولة طوائف؟ على الأرجح. هذا جرم جميع اللبنانيين، وقد حان موعد «التوبة».