يزداد نهر الليطاني أهمية عندما نعلم أنه يروي حالياً ومستقبلاً حوالى 40% من المساحة المرويّة في لبنان. ويزوّد بمياه الشفة حالياً ومستقبلاً ثلث سكان البلد. والخطورة في الأمر أن حالة التلوث التي تصيب النهر ستترك آثارها السلبية الخطيرة على كل المستفيدين من مياهه حالياً ولاحقاً.تتوزع الملوثات التي يتعرض لها نهر الليطاني حالياً إلى أربعة مصادر أساسية:
1- المصدر الأول (الملوث الأول) مياه الصرف الصحي "Les egouts"، التي تطلقها مباشرة في مجرى النهر (الحوض الأعلى) 48 قرية ومدينة؛ بينها 3 مدن (زحلة، بعلبك وجب جنين..)، يضاف إليها عدد من المخيمات التي أنشئت أخيراً نتيجة استمرار الأحداث الدامية في سوريا. تصب مجارير هذه التجمعات السكانية والمخيمات في المجرى الأعلى للنهر، سواء عبر الشبكات في القرى والمدن المجهزة بشبكات صرف صحي أو عبر مجارير صرف جرى تحويلها نحو المجرور الرئيسي القريب والمتمثل بمجرى النهر.
يقدر حجم الصرف الصحي حالياً بحوالى 45 مليون م3، أي ما يعادل 1/3 مخزون بحيرة القرعون في سنة شحيحة، وخمس مخزونها في حال امتلائها في أعقاب سنة ماطرة. ورغم تجهيز بعض المدن بمحطات معالجة، مثل زحلة وبعلبك، إلا أنها تتوقف أحيانأً بسبب عدم قدرة البلديات على تشغيلها لارتفاع أكلاف هذه العملية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن النهر يجف تماماً على مستوى المصادر اعتباراً من أول حزيران وتجري فيه مياه الصرف الصحي طيلة موسم الري نحو بحيرة القرعون.
2- الملوث الثاني: النفايات الصلبة Les dechets solides إلى جانب مياه الصرف الصحي، ترمي التجمعات السكنية المشار إليها أعلاه نفاياتها الصلبة في المجال الجغرافي للحوض الأعلى. تحملها إليه عشرات الحافلات التي تنقل (الزبالة) يومياً لتلقيها عشوائياً في أحد المكبات أو في حفرة يجري طمرها للتمويه. تنبعث من هذه النفايات مباشرة روائح كريهة تلوث الهواء ويتسرب الملوث الكيماوي والبيولوجي إلى الخزان الجوفي للمياه عند تساقط الأمطار في فصل الشتاء، وقد ظهرت الملوثات الكيماوية والبيولوجية في فحوصات العينات التي أخذها فريق الوكالة السويدية والوكالة الأميركية "USAID" من الآبار الجوفية التي اختيرت على امتداد النهر. وقد أصاب التلوث الناجم عن النفايات الصلبة الأراضي الزراعية المروية القريبة من المكبات، وذلك عبر السيلان السطحي للمياه بين المكب ومحيطه. تقدر كمية النفايات الصلبة بحوالى 45 إلى 50 ألف طن، يلقى معظمها في المجال الطبيعي للحوض، وبعضها يلقى مباشرة في المجرى، وهي عبارة عن أوراق وأكياس نايلون ونفايات أخرى، وأحياناً كثيرة تلقى في النهر مباشرة جثث حيوانات نافقة تتدافعها المياه الجارية نحو بحيرة القرعون التي تحولت إلى جورة صحية كبرى "Fosse sceptique" تتجمع في قعرها الأشياء الصلبة، وخاصة ما ترميه الكسارات والمرامل من بقايا وفضلات ومعادن ثقيلة من أوانٍ مستهلكة وعلب سردين ومخلفات ورش البناء وغيرها من النفايات المختلفة.
3- الملوث الثالث: يأتي من معامل ومشاغل الصناعات التحويلية الزراعية والصناعية الأخرى. وعددها في الحوض الأعلى يقارب 350 معملاً، نصفها على الأقل يهتم بتحويل الإنتاج الزراعي، منها:
- معامل صناعات غذائية "Les Agro Alimentaires".
يقدر حجم الصرف الصحي بما يعادل 1/3 مخزون بحيرة القرعون في سنة شحيحة

- ومعامل الأجبان والألبان التي يبلغ عددها نحو 105 معملاً. وتنتج 60 إلى 70% من مشتقات الحليب في لبنان.
- 10 من 12 معمل نبيذ موجودة أيضاً في الحوض الأعلى للنهر.
- مسالخ الدواجن ومزارب الأبقار وحظائر الأغنام والماعز.
يحتوي البقاع، كما نعلم، على 40% إلى 50% من النشاط الزراعي القائم في لبنان، وخاصة تصنيع الإنتاج الزراعي. كل هذه المؤسسات التي أوردناها تلقي بفضلاتها ومخلفاتها الصلبة والسائلة في مجرى النهر أو في روافده. يضاف إليها معامل المحارم الصحية (ميموزا) ومعمل البطاريات وعشرات المشاغل التي تهتم بصناعة التعدين ومواد البناء. ومئات الكاراجات ومحطات المحروقات التي تهتم بصيانة السيارات من غسيل وتشحيم وغيار زيت. تلقي هذه المؤسسات بكل زيوتها وأوساخها (من زيوت مستهلكة وقطع غيار ومواد بترولية في المجرور القريب، سواء من على ضفتي النهر أو من على ضفتي أحد روافده).
الملوث الرابع: بالإضافة إلى الصرف الصحي والنفايات الصلبة والفضلات الصناعية، تساهم الزراعات المروية بحصتها من الملوثات التي لا تقل خطورة عن الملوثات المشار إليها أعلاه، وتأتي الخطورة من الاستعمال المفرط للأسمدة الكيماوية والعضوية وللمبيدات في الزراعات المروية، فالحوض الأعلى لنهر الليطاني يحتوي على 36 ألف هكتار من الزراعات المروية الكثيفة التي يمارس أصحابها توزيع كميات هائلة من الأسمدة الكيماوية والمبيدات، ظناً منهم أنها تساهم برفع الإنتاج. كما يستعملون كميات هائلة من المبيدات السامة لحماية زراعاتهم من الحشرات. وتتركز عملية التسميد على استعمال النيترات والفوسفات وغيرها من المخصبات. وفي أعقاب عمليات الري، يتسرب قسم من هذه المواد الضارة بالإنسان وخاصة الآزوت والفوسفات إلى المياه السطحية الجارية في النهر بالسيلان السطحي ويتسرب جزء منها كذلك إلى الخزان الجوفي. وقد أثبتت نتائج الفحوصات المخبرية المسحوبة من قبل خبراء الوكالات الدولية وخبراء مراكز الأبحاث الزراعية أن المياه المسحوبة من الآبار الجوفية أو من النهر وبحيرة القرعون تحتوي على نسب عالية من مادتي الآزوت والفوسفات وبعض المعادن الثقيلة الأخرى بنسبة تفوق بكثير النسب المسموح بها عالمياً، وهي تضر بشكل خطير بصحة الإنسان الذي يتناولها وتزيد خطورتها في صعوبة التخلص منها. ويساهم القطاع الزراعي المروي أيضاً بالمزيد من الملوثات، وخاصة عندما نعلم أن نصف محتويات "سلة الزبالة" التي تلقى حمولتها يومياً في برميل الزبالة مصدره القطاع الزراعي. من هنا نستطيع القول بثقة تامة إن نهر الليطاني الذي يمد الزراعة المروية بنحو 70% من المياه، تردّ الزراعة المروية إليه نصف الملوثات التي تلحق بحوضه ومياهه حالياً.
إن حالة التلوث التي اجتاحت النهر وبحيرته الأولى في الحوض الأعلى يجب أن لا تنسينا ما يحصل من تلوث في الحوض الأسفل وما تلحقه المرامل والكسارات القائمة على ضفته اليمنى في السفح الشرقي لجبل الريحان وما يرميه رواد الاستراحات التي يزيد عددها على الخمسين، من فضلات وأوساخ ، فعلى خطورتها، تبقى محدودة قياساً الى ما يجري من تلوث في الحوض.
الحوض الأسفل هو عبارة عن خانوق "gorge" ضيق لا تمثل مساحته إلا 20% من مساحة الحوض الكلية. معظم القرى الموجودة على ضفته اليسرى ترمي نفاياتها (الصلبة والسائلة في أحواض مائية أخرى). وليس هناك نشاط زراعي يذكر إلا في المناطق القريبة من المصب.
مع الإشارة أيضاً إلى أن المجرى الأسفل لا يجري فيه على مدار موسم الري (أيار ــ تشرين الثاني) سوى كمية محدودة من المياه الملوثة أصلاً التي تفتح من سكر مركب (عين الزرقا) بناء على طلب مسؤول قطاع القاسمية. وهذه الملاحظة لا تعفي ملوثي المرامل والكسارات والاستراحات في الحوض السفلي من مسؤوليتهم... ويجب أن تضاف أسماؤهم إلى لائحة ملوثي النهر في حوضه الأعلى الذين ينبغي عليهم وقف تعدياتهم على الحوض.
* رئيس مصلحة سابق في مصلحة الليطاني




التوصيات

- توحيد سلطة القرار والحد من التشابك في الصلاحيات بين الإدارات المعنية بالقطاع. وتمكين هذه المؤسسات مادياً وبشرياً من إدارة واستثمار المياه بشكل فاعل وسليم انطلاقاً من المصادر ومن شبكات التوزيع. ومنع كل أنواع التعديات والاستغلال العشوائي للمياه بفرعيها السطحي والجوفي، وخاصة موجة التلوث الحالية التي تستهدف المصادر ومنشآت التوزيع. وتنفيذ مشاريع السدود الواردة في الخطة العشرية لتأمين حاجات السكان والزراعة المروية بشكل عادل ومقبول ومنع العدو من السطو عليها باعتبارها مهدورة في عرض البحر أو غير مستغلة.
- إصدار قانون بمادة وحيدة: الملوث - يدفع Pollueur - payeur، توضع بموجبه ضريبة خاصة على الملوّثين تطبقها إدارة المياه بتنظيم ضبط مخالفة، بالتعدي على المياه وذلك تحت إشراف المدعي العام البيئي. وتعديل القانون الحالي المتعلق باستخراج المياه وخاصة المواد المتعلقة بحفر الآبار (عمق البئر، معدل تصريفه) مع ضرورة خضوعها للترخيص. ووضع عدادات ومقننات على كل مآخذ المياه على مداخل المنازل أو مآخذ مياه الري لتقدير كمية المياه المستهلكة وتطبيق تعرفة بيع المياه كلها. وكذلك يجب اتخاذ تدابير وإجراءات أخرى للحفاظ على هذه الثروة الوطنية باعتبارها مادة ضرورية لاستمرار الحياة. ومعالجة مياه الصرف الصحي والنفايات بتركيب محطات معالجة على مخارج المدن والقرى الواقعة في الحوض وغيره من الأحواض المائية، إلى جانب تدابير أخرى بهدف حماية هذا المرفق الحيوي من التعديات.




المعطيات الهيدرولوجية عن نهر الليطاني

- طول نهر الليطاني 170 كلم.
- مساحة حوضه 2175 كلم2 أي ما يعادل 1/5 مساحة لبنان.
- 80% منها في الحوض الأعلى (أعلى القرعون).
- معدل تصريفه السنوي = 770 مليون م3 نصفها على الأقل يجري تعنيفه في معامل الطاقة الكهربائية الثلاثة.
- عدد روافده: 16 رافداً:
8 روافد في الحوض الأعلى (بردوني - شمسين - غزيل... إلخ)، و8 روافد في الحوض الأسفل (نبع قليا - زريقون - الحجير ينابيع عين أبو عبدالله)




أطماع إسرائيل بالمياه اللبنانية

بالإضافة إلى كميات المياه (السطحية والجوفية) التي تتسرب إلى فلسطين المحتلة عبر الوزاني والحاصباني وخزان جبل الشيخ، تتطلع الدولة الغاصبة إلى الحصول على حصة من مياه الليطاني، وبالتحديد من المياه الجارية في الحوض الأسفل وتتراوح قيمتها بين 130 و150 مليون م3. وقد خططت إسرائيل لهذا الهدف خلال فترة احتلالها لجنوب الجنوب، ومن أجل ذلك احتفظت إسرائيل بمواقع عسكرية لقواتها في تلال (طهرة - علي الطاهر - قلعة الشقيف) بعدما انسحبت من جنوب النهر إلى مسافات بعيدة في المجرى الأيمن لنهر الليطاني. لأن هذه التلال تمكنها من حماية مشروع تحويل مياه الليطاني في النقطة "240م" أسفل جسر الخردلي حيث نفذت إسرائيل نفقاً أرضياً يربط هذه النقطة بجسر بنات يعقوب (160 م) في أعلى الجليل، يسمح هذا النفق بنقل كمية معتبرة من مياه الليطاني إلى إسرائيل.
ويكفي أن تقيم الآليات جداراً من الصخور والردميات في عرض النهر عند الكوع الذي يحول النهر باتجاه الغرب، حتى يتحول قسم كبير من المياه نحو بوابة النفق وتتدفق مياه الليطاني باتجاه الجليل بسهولة لفارق المستويات. إن مشروع التحويل هذا تعطل بعد ذلك لأن وجود المقاومة في تلك المنطقة حال ويحول دون تنفيذه.
وستطالب إسرائيل على طاولة المفاوضات مع العرب بحصتها من الليطاني والحصة المطلوبة هي بحدود 1/3 طاقة تصريفه أي حوالى 200 مليون م3 وما فوق. وكتعويض عن هذه الكمية، ستطرح إسرائيل على لبنان توقيف معامل الطاقة الثلاثة القائمة على النهر وستزود لبنان بالطاقة البديلة، شرط أن تترك المياه المعنفة في المعامل الثلاثة في مجرى النهر، مروراً بنقطة التحويل المشار إليها وصولاً إلى البحر. إن موضوع المياه بالنسبة إلى إسرائيل هو مسألة حياة أو موت، لذلك شنت حروبها الخمس على العرب من أجل المياه. وكل الاتفاقيات الأخيرة مع العرب، اشترطت إسرائيل فيها الحصول على المياه: من النيل في اتفاقيات كامب دايفيد وحصة من دجلة والفرات عبر أنابيب السلام التي ستبرم اتفاقيتها مع تركيا.