كأنه لا يكفي بلدة عرسال الوضع الأمني المتردي، حتى برزت مشكلة لا تقل خطورة تشكل تهديداً طارئاً. فعرسال التي تعيش وضعاً أمنياً حساساً، الى جانب ضغط معيشي واقتصادي مردّه إلى كثافة عدد اللاجئين السوريين، وحرمان الأهالي من مصادر رزقهم في الجرود بعد احتلالها من قبل المسلحين، تواجه منذ أسابيع قليلة مشكلة بيئية وصحية عند تخوم البلدة، على مقربة من مصادر مياهها ومياه جيرانها في قرى البقاع الشمالي، إذ لا وجود لشبكة صرف صحي أو حتى لمحطة تكرير للمياه المبتذلة، حيث يتم الاعتماد كلياً على الحفر الصحية.
استضافة عرسال لأكثر من ثلاثة أضعاف عدد سكانها من اللاجئين السوريين لم تغيّر في واقع "الحرمان" شيئاً، "بل زادت الأمور تعقيداً وحاجة"، كما يقول أحد أبناء البلدة لـ"الأخبار". فعلى الرغم من توزّع أكثر من 120 ألف لاجئ سوري على منازل البلدة وعلى أكثر من 40 مخيماً، وبرغم تقاطر المؤسسات الدولية، وفي مقدمها التابعة للأمم المتحدة، "والدعم السياسي والمالي تحت عناوين دعم المعارضة السورية"، بقيت عرسال من دون خدمات إنمائية وبنى تحتية وفق أهاليها.
يقول هؤلاء انّ "إحدى مؤسسات الأمم المتحدة بادرت الى معالجة مشكلة الصرف الصحي للاجئين عشوائياً، في ظل غياب لافت لوزارتَي البيئة والصحة". تعاقدت المؤسسة الأممية مع 11 من أصحاب الصهاريج من أبناء عرسال لـ"شفط" مياه الصرف الصحي ونقلها من 35 مخيماً للاجئين يومياً، في حين أن 10 (4 من أبناء البلدة و6 شركاء سوريين وعراسلة) يعملون يومياً على "شفط" مياه الصرف الصحي من أحياء البلدة. هكذا ينقل 21 صهريجاً يومياً آلاف الليترات المكعبة من الصرف الصحي عبر وادي حميد إلى جرود عرسال الشمالية الشرقية، في منطقة بعيدة عن البلدة تسمى "خانوق القيقب" و"قلد الثعلب" لتفرغ حمولاتها هناك.

يتم تفريغ آلاف الليترات
المكعبة من الصرف الصحي يومياً في تربة سريعة الامتصاص


إفراغ كميات ضخمة يومياً من الصرف الصحي في منطقة تعتبر أعلى من بلدة عرسال وقريبة نسبياً منها، وتنحدر شمالاً باتجاه عرسال، وغرباً باتجاه بلدتَي مقراق واللبوة، مع تربة سريعة الامتصاص، تزيد من مخاطر تلوث مياه الآبار الجوفية للبلدة، ومياه نبع عين الشعب التي تزوّد عرسال بالمياه، وخزانات المياه الجوفية الخاصة بينابيع بلدة اللبوة الثلاثين، وروافد نهر العاصي في الهرمل، أي تلويث بيئة المنطقة بالكامل.
يشرح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ"الأخبار" أن "أسباباً أمنية دفعت المجلس البلدي إلى نقل مكان إفراغ الصرف الصحي من الجرود الشرقية الى الجرود الغربية للبلدة، واستأجرنا منذ شهرين عقاراً في محلة "سرج القدام" و"وادي صورة"، حفرنا فيه حفرة ضخمة بكلفة 15 ألف دولار، وبدأت الصهاريج تنقل الصرف الصحي إليها".
يدرك الحجيري جيداً "خطورة" المكان الذي تفرغ فيه آلاف الليترات المكعبة من الصرف الصحي يومياً، في منطقة مرتفعة ووسطية بين عرسال وقرى البقاع الشمالي، كاشفاً عن تهديد فعلي لبيئة المنطقة ومصادر المياه الجوفية. إلّا أنه بالمقابل يؤكد "عدم توفر بديل حالياً"، وسط مساع حثيثة لإنهاء هذه المشكلة الكبيرة التي تهدد أبناء عرسال والجوار. يعلن الحجيري أن بلدية عرسال رصدت مبلغ مليار ليرة، ووضعت المشكلة في أولويات عملها، إلا أن المبلغ المرصود لا يكفي لشبكة صرف صحي وإقامة محطة تكرير، كاشفاً عن مساع واتصالات مع سياسيين ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجهات دولية مانحة ومجلس الإنماء والإعمار "لمساعدتنا ودعمنا بتمويل مشروع إنشاء شبكة صرف صحي للبلدة مع محطة تكرير، بهدف معالجة المشكلة وعدم التسبب بأية أضرار وأمراض، سواء لعرسال أو لجيراننا في القرى المجاورة".
وعلى الرغم من الفترة الزمنية القصيرة التي بدأت فيها البلدية بإفراغ المياه المبتذلة في المكان، إلا أن الحفرة الكبيرة امتلأت بالكامل، بالإضافة إلى 4 برك أخرى، على مساحة ملوثة باتت تزيد على 15 دونماً، بحسب ما يشرح محمد رباح رئيس بلدية اللبوة لـ"الأخبار". يؤكد رباح أن "الوضع كارثي ويصعب وصف المخاطر الناجمة عن الكمية الكبيرة التي تفرغ في تلك المنطقة، وما تفرضه من روائح كريهة ومخاطر بيئية تهدد مصادر مياه القرى التي تفيد من مياه اللبوة وصولاً حتى القاع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نهر العاصي الذي ترفده ينابيع من اللبوة". ويطالب مؤسسات الأمم المتحدة "المسؤولة عن تمويل هذه الصهاريج بالتوقف عن تمويل نقل المياه المبتذلة وإفراغها بطرق عشوائية من دون التفكير بالضرر الذي سيطاول أهلنا وجيراننا في عرسال، كما أهالي اللبوة وحلبتا ومقراق، وصولاً حتى القاع"، مناشداً الدولة ووزاراتها المعنية الإسراع في الكشف وإيقاف هذه العملية الكارثية ومعالجة مشكلة الصرف الصحي قبل تفاقم الأمور.