نحو مليون و200 ألف دولار أميركي، قبضتها شركة مقاولات خاصة من بلدية بيروت، من أجل إقامة مشروع المُستشفى الميداني على موقف السيارات الخلفي التابع لحرج بيروت، بحسب جمعية "نحن". أعمال إنشاء المُستشفى بوشر بها في حزيران الماضي، تطبيقاً للقرار البلدي (رقم 170) المُتخذ في 23 آذار الماضي. هذه الأعمال تتضمن إنشاء مبنى مؤلف من 3 طبقات من الباطون، وذلك خلافاً للقوانين التي تحظر إقامة منشآت اسمنتية في المواقع الطبيعية (قانون حماية المناظر والمواقع الطبيعية الصادر عام 1939). وكانت بلدية بيروت قد تذرعّت بالهبة المصرية لتبرير إنشاء المستشفى في موقعه الحالي، الذي يشكّل تعدياً صارخاً على طبيعة الحرج وخصوصيته. تقول الناشطة في حملة "معاً لحماية حرش بيروت" جيسيكا الشمالي، إن السفير المصري السابق أكّد أن الهبة المُقدمة هي عبارة عن "أدوية ومستلزمات ميدانية، ولا تتطلب إنشاءات اسمنتية".
وتُشير الشمالي في هذا الصدد الى أن طبيعة هذه الهبة تستلزم إنشاء هنغار نقّال لا تتعدى كلفته 50 ألف دولار، وفق دراسة أولية قام بها عدد من الناشطين في الحملة، في إشارة الى الهدر في المال العام مقابل إنشاء مشروع يشكل اعتداءً على المساحة الخضراء "اليتيمة" في بيروت. من جهة أخرى، يؤكد المدير التنفيذي لجمعية "نحن" محمد أيوب أن هذه الأموال ستنفقها البلدية من موازنتها، وهي بالتالي ليست هبة "كما تُروّج البلدية".
انطلاقاً من هذا الواقع، ورفضاً لمشاريع "تنفيعية" تُنفّذها بلدية بيروت على حساب الحرج، تظاهر عدد من الناشطين والناشطات، أول من أمس، أمام مدخل الحرج من الجهة الغربية، حيث تُقام أعمال إنشاء المستشفى، وذلك تلبية لدعوة حملة "معاً لحماية حرش بيروت". هناك، تعرّض المتظاهرون لاعتداء من قبل أشخاص، وذلك على مرأى من القوى الأمنية التي حضرت الى مكان التظاهر.

أيوب: ستُقتطع
أموال إنشاء المُستشفى من موازنة بلدية بيروت
وتفيد مصادر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بأن لا معلومات لديها حتى الآن حول هوية المعتدين، ذلك أن التحقيق في الحادثة لم ينته بعد، وفق المصادر نفسها. يُذكّر هذا الاعتداء بحادثة مماثلة حصلت في حزيران الماضي، عندما نفّذ عدد من الناشطين في "حركة الشعب" تظاهرة احتجاجية ضدّ مشروع المُستشفى، وتعرّضوا للضرب على مرأى من القوى الأمنية من قبل "قبضايات طريق الجديدة"، وفق ما عرّفوا عن أنفسهم آنذاك. (راجع مقال "قبضايات" يعتدون على معتصمين أمام حرج بيروت).
تقول الشمالي إن الحملة بصدد رفع شكاوى قضائية ضد المعتدين، الذين تُرجّح أنهم تابعون للشركة الملتزمة أعمال إنشاء المُستشفى. حاولت "الأخبار" الاتصال بالمقاول جهاد العرب، صاحب الشركة، أو بأحد العاملين فيها، ولكن تعذّر ذلك بسبب سفر العرب ورفض أي من العاملين التعليق على الحادثة.
تشير الشمالي الى أن الحملة مُستمرة في تحركاتها الرافضة لمشروع المُستشفى، ولا سيما أنه يأتي في ظل مساعي المجلس البلدي الحالي لاستكمال مشروع نقل الملعب البلدي في طريق الجديدة الى الحرج (الجهة الشمالية للحرج)، وذلك تطبيقاً للخطة المتخذة في أواخر عام 2014 والتي أقرّها مجلس الوزراء في قراره الرقم 62 تاريخ 18/12/2014، على أن يتمتع الملعب البلدي الجديد بمواصفات دولية لجهة إنشاء استاد ضخم وإقامة أندية وغيرها، ما يوحي حكماً باقتطاع مزيد من المساحات الحرجية.
في مؤتمره الصحافي الأخير، لفت رئيس البلدية الحالي جمال عيتاني الى أن مشروع الملعب الجديد لن يؤثر على مساحة الحرج الحالية، وأن المشروع سيقضي بـ"تطوير" الملاعب الموجودة حالياً، وهو ما يُناقض المخططات التي عرضها رئيس البلدية السابق بلال حمد منذ نحو عامين، والتي تُثبت أن المشروع سيقوم على حساب المساحات الحرجية.
يُشير البيان، الذي أصدره المجلس البلدي الحالي رداً على التظاهرة، الى النقطة نفسها التي قالها عيتاني وهي أن المشروع يقضي بتحسين الملاعب الموجودة في قصص وتأهيلها "دون أي إنشاءات ودون إقامة أي مواقف للسيارات". ولفت البيان الى أن المُستشفى "سوف يُقام مؤقتاً في الموقف" (..) وأن البلدية بصدد إيجاد عقار بديل للمستشفى الميداني المصري، مُشيراً الى أن المجلس البلدي شديد الحرص على عدم وجود إنشاءات بناء جديدة على العقار رقم 1925 ملك بلدية بيروت. كذلك استنكر المجلس البلدي "الحملات التضليلية التي يقوم بها البعض من خلال رفع شعارات تتهم بلدية بيروت جزافاً بانتهاج سياسة قضم حرج بيروت"، لافتاً الى اعتماد المجلس سياسة زيادة المساحات الخضراء وإعطائه إهتماماً خاصاً لحرج بيروت كونه المتنفس الرئيسي للعاصمة وأهلها.
تجدر الإشارة الى القرار البلدي (رقم 327) المتخذ في 5/5/2015 والذي يقضي بتغيير تصنيف جزء من حرج بيروت من المنطقة التاسعة التي يُمنع البناء عليها الى المنطقة الرابعة التي يُسمح بالبناء عليها بمعدّل استثمار سطحي 50%. هذا القرار يُشرّع الكثير من التعديات القائمة على الحرج الواجب إزالتها، كذلك يُمهد هذا القرار لإمكانية بناء الكثير من المباني الشاهقة في هذه المنطقة الممنوع البناء عليها.
اللافت أن المجلس البلدي الحالي لم يتخذ بعد أي قرار لإلغاء القرار المذكور أعلاه، في حال أراد ترجمة حرصه على الحرج واقعاً. هذا الحرج الذي خسر أكثر من ثلثَي مساحته على مرّ الأعوام المُنصرمة!