طب النزاعات، هو عنوان كبير لتحدٍّ أكبر، يتعاطى الشقّ الميداني الملتهب لمفهوم الصحة الاجتماعية، التي تشكل العامود الفقري لوضع «استراتيجية صحية» تحاكي قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وبيئية. وهي لا تقتصر على مفهوم الصراع الحربي وأعمال العنف، كما يجري منذ 6 سنوات ونيف في الربيع العربي (المغشوش)، إنما في الأنظمة الضعيفة وصراعاتها السياسية كما في لبنان.
حسب منظمة الصحة العالمية لعام 2016، تصنف هذه الأدوية كالتالي:
- مجتزأ الفاعلية
- يحتوي تلوثات
- مزور الشكل والتسمية
- مغشوش (تركيب وهمي)
وقد تتضمن:
- صفر مكون دوائي Active ingredient
- مكون دوائي خطأ
- مكون دوائي صحيح بمعيار خطأ
وكثيراً ما تُصنع هذه الأدوية في مناطق فقيرة تفتقد البيئة الصحية المناسبة وملوثة بالبكتيريا وغيرها.
مناطق التوتر الاجتماعي والنظام الصحي الضعيف وعدم تطبيق القانون والمحاسبة، وأنموذجها لبنان، تشكّل الأرضية الخصبة لوجود وتنامي الأدوية المغشوشة.
هي أزمة عالمية:
- في الدول الصناعية، 40 مليون وصفة طبية من أصل 4 بلايين وصفة في الولايات المتحدة الأميركية.
- 10-30% في الدول النامية، 50 % في أواسط أفريقيا، حيث معظم أدوية الملاريا والسيدا التي ترسلها الشركات الكبرى، هي مجتزأة الفاعلية، لأن السوق الأفريقية فقيرة في مردودها المادي.
- تشمل كافة أشكال الأدوية والمستحضرات المستخدمة طبياً مثل عدسات العين والواقي الذكري وسليكون التجميل وغير ذلك.
- تطال أدوية الجينيريك كما الأصيلة.
- تسبب إطالة فترة المرض والموت وزيادة مناعة البكتيريا ضد العلاج.
- من حوالى 1000 صنف دوائي سجلته منظمة الصحة عام 2016، جاءت المضادات الحيوية في المركز الأول 21% تليها أدوية المسالك البولية 14.5% والشرايين والقلب 11.5% والأعصاب 11%.
تشكل هذه الأدوية تحدّياً كبيراً للشركات الصناعية الضخمة، التي خسرت 100 بليون $ عام 2012، مع انتهاء مدة براءة الاختراع لـ 18 دواء من أصل 20 الأكثر مبيعاً في العالم، لأن اختراع دواء جديد يتطلب 15 عاماً ويكلف 1 بليون $. فيما الأدوية المغشوشة تتميز بما يلي:
- مصادر ضخمة ومهارات ومعدات.
- أرباح مادية مغرية، مثلاً 1 كلغ لمادة خام دواء الفياغرا يكلف 60 $ في الصين، ويباع في أميركا بقيمة 300 ألف $ لعلب معبأة عيار 50 ملغ.
- سوق الدواء العالمية 1 تريليون $.
- الطريقة الوحيدة لكشف تركيب الدواء، هو المختبر العلمي وهذا يدخلنا إلى لبنان.

لبنان

يعيش لبنان الصراعات بكافة مستوياتها منذ استقلاله، ويتأثر دائماً بمحيطه وخاصة بعد تفجر الأحداث في سوريا وتدفق مليون ونصف مليون لاجئ إلى أرضه، يحتضن ذلك نظام سياسي طائفي فاسد ومناخ سياسي ملوث وثقافة فساد، وضعت لبنان في المرتبة 136 من أصل 176 دولة من حيث مستوى الفساد. هذا المشهد جعل لبنان مصدراً لتصدير الأدوية المغشوشة، التي يعاني منها مواطنوه، إلى المنطقة (سوريا، العراق، السعودية...)، خاصة حين سيطرت الميليشيات المتحاربة في السبعينيات والثمانينيات على جميع المرافئ البحرية. ولكن، بمعزل عن مؤثرات الحرب الأهلية في لبنان، استمرت أعمال القرصنة الدوائية وبغطاء شرعي الذي شلّ دور أجهزة الرقابة.
السياسة الدوائية وسوقها في لبنان:
- لا وجود لإرادة سياسية لتطبيق سياسة وطنية للدواء منذ الاستقلال.
- هيمنة شركات الدواء على القرار الصحي، حسب ما قال وزير الصحة علي حسن خليل، في 16 شباط عام 2013، إن هناك شركات دواء هي أقوى من وزارة الصحة.
- مقاربة مادة الدواء بذهنية تجارية ومافياوية، حيث ذكرت تعبير مافيا لأول مرة في مجلس النواب في 28 أيار 1997، فقد أكد ذلك رئيس المجلس نبيه بري في هيئة عامة في 30 تموز عام 2000، وقال: «معك حق يا زميل، لقد استطاعت مافيا الدواء أن تعرقل أعمال المجلس مدى عقود».
- 11 تاجراً يحتكرون 80-90% من السوق.
استطاعت مافيا الدواء إسقاط جميع محاولات الإصلاح
- 16 آب 1960 (مشروع قانون من نائب الحزب التقدمي الاشتراكي فريد جبران لتأسيس مكتب وطني للدواء لتخفيض الأسعار).
- 22 كانون الأول عام 1971، محاولة وزير الصحة د. اميل بيطار لتخفيض الأسعار.
- عام 1998، مكننة أعمال الدواء في وزارة الصحة بواسطة منظمة الصحة العالمية.
- اللائحة الأساس للأدوية (لا تتخطى الألف دواء الضروري).
- المكتب الوطني للدواء عام 1998.
- شهادة أسعار بلد المنشأ.
- المختبر المركزي للرقابة.
- تعطيل دور المحاسبة والرقابة في مجلس النواب.
سوق الدواء:
- أكثر من 8000 دواء مسجل.
- أكثر من 6000 دواء في السوق.
- أكثر من 5000 متمم غذائي.
- أكثر من 300 منميات رياضية وهورمونية.
- يشكل استهلاك الدواء في لبنان 39% من الفاتورة الصحية.
- من 1.2 بليون $ عام 2010 سجلت فاتورة الدواء 1.8 بليون $ عام 2016.
- 297 $ سنوياً يدفع الفرد اللبناني.
- لا زال لبنان الأعلى أسعاراً في المنطقة.
- أكثر من 100 مستورد.
- أكثر من 500 مصنع يستورد منه لبنان.
- من أصل 23 مستشفى تحمل عنوان «جامعي»، 7 فقط تكتمل فيها المواصفات الأكاديمية الجامعية، ومعظم الأخرى للدعاية والتجارة بالدواء بحجة البحث العلمي.

تشكل هذه الأدوية تحدّياً
كبيراً للشركات الصناعية
الضخمة التي خسرت
100 بليون $ عام 2012

توجهت بـ 55 سؤالاً نيابياً معظمها حول الدواء، تحول 13 منها استجوابات حكومية وكان أخطرها ملف رقم 6/6/98 الذي أنتجه تحقيق مطول للتفتيش المركزي، والذي تسبب باقتحام قصر العدل ليل 27 أيار 1999 وخلع باب القاضي خالد حمود وسرقة ملف التحقيق.
لم أتلقَّ بعد، الجواب على 35 سؤالاً توجهت بها للقضاء، كما دراسة قمت بها مع طلاب كلية الصحة في الجامعة اللبنانية – البقاع، حول بعض الأعشاب المستخدمة علاجياً خاصة 7Slim المخفض للوزن، والذي احتوى مستوى عالياً من السموم ومادة Sibutramine الممنوعة.
تقدمت بمشروع قانون في 12/8/98 حول تنظيم سوق الدواء (استيراداً وتسجيلاً ومراقبة واستهلاكاً). تخطى لجنة الصحة النيابية ولا زال في أدراج مجلس النواب.
أهم ما ورد في ملف الدواء:
- فضيحة دواء الـPlavix (45% فاعلية).
- حقن دواء السرطان Texoter (مياه) 2000 $ كل حقنة!
- حقن مضادة لنزف ما بعد العمليات القيصرية (12 سيدة توفيت خلال عام واحد في منطقة محدودة المساحة).
- الحقن المقوية للحمل Pregnyl لإحدى دور العجزة.
عدا الكثير الكثير من المضادات الحيوية وأدوية الأعصاب وغيرها... وإضافة إلى ما جاء في كتابي «الدواء ... مافيا أم أزمة نظام» وكتيب «الحق في الصحة».

سوريا

منذ تفجرت الأحداث في سوريا، تحرك لاعبو تجارة الدواء في لبنان للتعبير عن مشاعرهم الإنسانية، بضخ كافة أشكال الأدوية المغشوشة إلى سوريا الجريحة بالحرب عبر الحدود المتفلتة، وبمساعدة سماسرة سوريين... وأهم هذه الأدوية الكابتغون الشهير، حيث 90% من إنتاجه اللبناني كان يصدّر لسوريا في أول 3 سنوات من الحرب، لتصبح السوق السورية مكتفية بعدها، ويهبط التصدير اللبناني إلى 10 % يذهب بالدرجة الأولى إلى المملكة العربية السعودية.

العراق

لا يوجد توصيف لمعاناة الشعب العراقي.
- منذ 9 نيسان 2003 حتى 2016، ظهرت 140 ألف حالة سرطان جديدة في العراق بسبب اليورانيوم المخضب.
- منذ حصار العراق عام 1991، وتجار الموت من لبنانيين وسوريين رحبوا بهذه الفرصة الذهبية وبسوق تحتاج إلى كافة أنواع الدواء، وانطلقوا غالباً عبر كردستان لإدخال الأدوية الفاسدة إلى العراق.
- في 26/9/2000، شحنت سفينة بريطانية أدوية لأمراض الجهاز التنفسي للعراق عبر لبنان (حسب اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء)، لكنها بيعت في لبنان، وتسبب ذلك بموت أكثر من 10 آلاف عراقي بسبب فقدان هذه الأدوية وخاصة Inhalers.
حالياً، يشكل حجم سوق الأدوية المغشوشة في العراق مليار $ سنوياً، حيث تغرق صيدليات بغداد وغيرها بالأدوية الهندية والصينية وغيرها، وبتغطية من الفساد السياسي.

مصر

منظمة الصحة العالمية توجهت بسؤال كبير وخطير: «هل تستخدم الأدوية المغشوشة بأعمال إرهابية؟».
وكالة الغذاء والدواء الأميركية FDA، أجابت بعدم علمها بأي حادثة، لكنها تتابع الموضوع باهتمام شديد.
وهنا أقدم الجواب، حيث نشرت مجلة روز اليوسف المصرية في 24 آب 1998، تقريراً وزعته الجامعة العربية في القاهرة، يتضمن قيام شركة عالمية للدواء باستحضار «أكياس أمصال ودم» إلى إسرائيل، التي حقنتها بفيروس «السيدا والتهاب الكبد الوبائي B» ثم شحنتها إلى مصر وبعض الدول العربية.
في 7/9/1998، تلقيت سؤالاً موجهاً من مجلة روز اليوسف، لاستطلاع رأيي ومعلوماتي في هذا الشأن، استطلعت معلومات وزارة الصحة في لبنان التي لم تعلم بشيء، وبعد ذلك بشهور اهتزت فرنسا بمحاكمة رئيس وزرائها ووزير صحتها بفضيحة تلوث الأمصال وأكياس الدم التي تنتجها مؤسسة «Pasteur Marieux» الفرنسية، والوحيدة التي يستورد منها لبنان هذه المواد... توجهت بسؤال نيابي حول هذا الموضوع الخطير في 23 شباط 1999.
وهذا نموذج للإرهاب، يرفع بدوره سؤالاً خطيراً: من يضمن عدم تكرار إسرائيل لمثل هكذا جرائم مع الأسرى الفلسطينيين الأبطال، عبر فرض الإطعام القسري عليهم؟
خلال العقد الماضي، تراجعت نوعية الكثير من الأدوية في السوق المصرية، نتيجة الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية، كما ارتفعت الأسعار.

السعودية

منذ ثمانينيات القرن الماضي، والسعودية عرضة لتهريب كافة أشكال الأدوية المغشوشة إليها ومن عدة مصادر. لكن معضلة الكابتاغون تتسلل إليها دائماً من لبنان، حسب مصادر صحية سعودية.
وأخيراً، هل هناك من حلّ؟
هذا يحتاج إلى محاضرة أخرى، تطال الصراع الاقتصادي العالمي وفوارق الأسعار، وجشع الشركات الكبرى، والفساد المتمدد أفقياً وعامودياً.

*كلمة ألقيت في افتتاح المؤتمر العالمي حول «طب النزاعات» في مناطق الصراع في الجامعة الأميركية، في 11 أيار 2017