في عزّ الحرب في سوريا، وفي ظل سعي وزارة الطاقة لتنفيذ خطّتها لصيف 2017، ولا سيما البند الأكثر إثارة للجدل، وهو استئجار بواخر كهرباء إضافية، تلقّى لبنان عرضاً من سوريا لزيادة كمية الكهرباء التي يستجرّها إلى 300 ميغاوات، أي ما بين ساعتين وثلاث ساعات تغذية إضافية بالكهرباء، لكن العرض نام في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء، من دون أي تفسير أو مبرّر.
المعطيات التي يتداولها بعض الوزراء تفيد بأن رئيس الحكومة وبعض الأفرقاء الممثلين في الحكومة يجدون حرجاً في التعامل مع هذه المسألة انطلاقاً من مواقف سياسية مسبقة ومعروفة.
لم يُدرج العرض السوري على جدول أعمال مجلس الوزراء، على الرغم من حاجة لبنان لكمية الطاقة الكهربائية. فالطلب المرتقب في صيف 2017 يقدّر بنحو 3500 ميغاوات، ولا تستطيع معامل الإنتاج، في وضعها القائم، أن تغطّي أكثر من 15 ساعة تغذية بالكهرباء كمتوسط يومي، وقد يكون الوضع أسوأ بالنظر إلى ضعف قدرات شبكتي نقل الكهرباء وتوزيعها، بالإضافة إلى قرار تزويد بيروت بالكهرباء لنحو 21 ساعة يومياً. بحسب المعلومات، فإن التغذية بالكهرباء تختلف بين منطقة وأخرى ضمن هامش واسع، إذ قد تحصل بعض المناطق على تغذية لأقل من 10 ساعات، وبالتالي إن الحصول على كمية كهرباء تكفي لساعتين أو ثلاث ساعات إضافية، أمر حيوي جداً، لا بل قد يكون الأمر الأكثر أهمية في صيف 2017، بعدما تبيّن أن وصول أي باخرة يتطلّب شهرين على الأقل إذا جرى الاتفاق على الصفقة اليوم!
في هذا الإطار، ترى مصادر مطلعة أن عدم إدراج العرض السوري على طاولة مجلس الوزراء لا يستند إلى أي مبرّر أو تفسير مقنع، إذ إن الاتفاقية بين لبنان وسوريا لا تزال سارية المفعول، ولم يبلغ أي طرف الآخر رغبته في إلغاء هذه الاتفاقية أو تعليق العمل فيها، كذلك لا تزال مؤسسة كهرباء تستجر الكهرباء من سوريا وتسدد لها الثمن عبر اعتمادات مفتوحة وموافق عليها من وزارتي الوصاية، الطاقة والمال.
في السنوات الماضية كانت القدرة القصوى لاستيعاب لبنان للكهرباء المستجرّة من سوريا تقدّر بنحو 120 ميغاوات «لكن الدراسات التي أجرتها مؤسسة كهرباء لبنان على الشبكة أظهرت أنه يمكن زيادة الطاقة المستجرة من سوريا إلى 300 ميغاوات بما يتلاءم مع العرض السوري»، بحسب مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان. وتشير هذه المصادر إلى أن كمية الطاقة المستجرة من سوريا لم تكن ثابتة في أي وقت مضى منذ توقيع اتفاقية الاستجرار في مطلع التسعينيات، بل كانت متغيّرة ومرتبطة بقدرة الشبكة اللبنانية على استقبال الكمية الواردة من سوريا ونقلها وتوزيعها.

ثمن الطاقة الإضافية من سوريا يبلغ 331 مليون دولار أميركي

فعلى سبيل المثال، كانت كمية الطاقة المستجرّة من سوريا تقلّ في بعض الأوقات عن 80 ميغاوات، أو ترتفع إلى حدّ أقصى يبلغ 120 ميغاوات، أو تنقطع بصورة تامّة كما كان حاصلاً قبل أسابيع، إلا أن لبنان لم يصل يوماً إلى استيعاب الكمية القصوى التي التزم السوريون تزويده بها، بل كانت قدرته دائماً أقل من الكمية المعروضة، خلافاً لما هي عليه الحال اليوم، «إذ إن الشبكة جاهزة للاستفادة من عرض سوريا زيادة كمية الطاقة إلى 300 ميغاوات، وهو ما يزيد التغذية بين ساعتين إلى ثلاث ساعات تغذية يومياً».
زيادة الاستجرار من سوريا أمر مغرٍ في ضوء نتيجة دراسة مؤسسة كهرباء لبنان. هذه النتيجة توصّلت إليها لجنة الكهرباء المشتركة والمنبثقة من الاتفاقية المشتركة بين البلدين، بالاستناد إلى معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بينهما. هذه اللجنة تجتمع دورياً لمناقشة أي طارئ أو أي مطالبات بين الطرفين، فضلاً عن أنها تعمل بنحو متواصل لتجديد اتفاقية الاستجرار بين المؤسسة العامة لنقل وتوليد الطاقة في سوريا، ومؤسسة كهرباء لبنان «وقد جدّدت هذه الاتفاقية قبل أشهر بعد موافقة الطرفين على بعض التعديلات التي تتعلق بالتعرفة»، توضح مصادر مطلعة.
بالنسبة إلى لبنان، إن أهمية هذا العرض أنه يأتي على أبواب الصيف وارتفاع معدلات الطلب الاستهلاكي على الكهرباء، أما بالنسبة إلى سوريا، فإن أهمية العرض تستند إلى إحدى الفقرات الواردة ضمن المادة الـ13 من الاتفاقية، التي تنصّ على الآتي: «يعتمد قيمة الدولار الأميركي كعملة لحساب قيمة الطاقة الكهربائية المستجرة...». والتعرفة المستعملة في هذه الاتفاقية، تحتسب على أساس حدّ معادلة مبنية على السعر الوسطي لطن النفط، أي إن التعرفة وعملة التسديد هما أمران يصنّفان ضمن الحاجة القصوى للخزينة السورية.
وفي هذا المجال، فإن الكتاب الذي رفعه وزير الطاقة سيزار أبي خليل إلى مجلس الوزراء، يطلب فيه أن ترصد اعتمادات بقيمة 500 مليار ليرة لتغطية كلفة الطاقة الكهربائية المستجرة من سوريا بعد زيادتها إلى 300 ميغاوات، أي إن ثمن هذه الطاقة يبلغ 331 مليون دولار أميركي في حال ضَخّ الكمية المتفق عليها بكاملها.




تأخير تسديد المستحقات

تكشف مراجعة محاضر لجنة الكهرباء المشتركة بين لبنان وسوريا أن المشكلة الأساسية في تطبيق الاتفاقية هي أن الجانب اللبناني كان دائماً يتأخّر في تسديد المتوجبات المالية لسوريا. واللافت في هذا المجال أن حسن تطبيق الاتفاقية لم يتأثّر بهذا التأخّر، بل كان استجرار الطاقة يتواصل فيما كان الجانب السوري يطالب بتسديد المتأخّرات.