هل هناك حقاً خطة "خمسية" لدى بلدية طرابلس لتنمية المدينة وتفعيل عناصر نهوضها؟ هذا ما ينتظره أهل طرابلس ويناضلون من أجله عبر عقود من الزمن، ولكن ما عرضه رئيس البلدية، أحمد قمر الدين، أخيراً، لا يرتقي الى مستوى "الخطة"، بحسب المعترضين عليها، وهم كثر، من بينهم 15 عضواً في المجلس البلدي قاطعوا المؤتمر الصحافي المخصص لعرض "فيلم" عن الخطة المزعومة.
تنقسم هذه الخطة، كما عرضها قمر الدين، إلى خمسة أقسام: التنظيم الإداري والتخطيط، تحسين نوعية العيش، العمران والبنية التحتية، المجال الاقتصادي والمجال الاجتماعي. ويندرج تحتها 18 عنواناً تتضمن نحو 80 مشروعاً. وقدّرت الموازنة الإجمالية بنحو 208 مليارات ليرة تقريباً، فضلاً عن التمويل المحتمل من المنظمات الدولية.

ماذا يريد أهل طرابلس؟

هذه الخطة تقول كل شيء ولا تقول شيئاً في الوقت نفسه، فكل بند من بنودها يبدأ بواحدة من هذه الكلمات: متابعة، إيجاد حلول، بحث إمكانية، التعاون مع، العمل على كذا... وهذه الكلمات لا تعبر عن أي خيارات محسوبة، بقدر ما تعبر عن غياب الرؤية والإرادة، وحضور الرغبة بالإيحاء أن مشاريع كثيرة هي في طور التنفيذ. فالخطة تتضمن كل ما يطالب به أهل طرابلس، كبناء الجسور والبنى التحتية والمنطقة الاقتصادية ومحطة القطار ومحطة التكرير، فضلاً عن لائحة طويلة تتضمن مشاكل السير والنقل ومعالجة النفايات وإدارة الكوارث والصحة والتعليم والرياضة والمدينة التاريخية وفرص العمل... وهي جميعها مطالب "مزمنة"، بعضها من مسؤولية البلدية وبعضها الآخر موضوع في عهدة مجلس الإنماء والإعمار ولا تلعب البلدية أي دور فيها.

تأهيل الملعب البلدي وحده خُصِّصَ له من موازنة البلدية نحو
5.6 مليارات ليرة

يأخذ المتابعون على هذه الخطة أنها تقفز بعيداً الى الأمام وتتجاهل ما ينتظر الناس معالجته سريعاً، ومنها مشكلات لا تتطلب معالجتها إلا الحرص قليلاً على تطبيق القوانين على الجميع، مثل متابعة أعمال المتعهدين (في نطاق صلاحياتها)، وتطبيق إجراءات الأمان وتنظيم الأشغال بما لا يعيق حركة السير في المدينة. تقصّر البلدية في تأدية أبسط واجباتها، مثل إلزام أصحاب مولدات الكهرباء بتسعيرة وزارة الطاقة أو حتى التسعيرة التي استحدثتها إرضاء لهم، ومنع المخالفات والتعديات الجديدة، التي يتم بعضها بتغطية من البلدية نفسها. كذلك ضبط الأبقار التي تتجول في الطرقات وتقتات من الوسطيات والنفايات...! بمعنى أن هناك مشاريع كثيرة تحتاج إليها طرابلس وهي معلّقة بحجة واهية هي نقص التمويل، ولكن ذلك لا يبرر أبداً أن تقف البلدية، كل الوقت، مكتوفة اليدين بلا أي إنجاز ولو متواضع وبسيط.
يبرر قمر الدين غياب أي إنجاز للبلدية بوجود نقص في الآليات والتفلت الإداري في البلدية والروتين الإداري في الدولة. إلا أن هذه المبررات لا تنسحب على إقرار المجلس البلدي بسهولة ويسر اعتمادات بمليارات الليرات لإعادة تأهيل الملعب البلدي ودعم عدد من الجمعيات الرياضية. يرد قمر الدين على ذلك بأن "الرياضة أولوية" بالنسبة إليه، معتبراً أن نهضة المدينة تتوقف على تأهيل البنية التحتية الرياضية، ما طرح تساؤلات عن كيفية تحديد الأولويات ومن يحددها. هذا لا يعني أن "الرياضة" ليست مهمّة أو أن أهل طرابلس لا يريدون الاستثمار فيها، بل هذا المثال يبين كيف أن المجلس البلدي قادر في حال أراد ذلك على تنفيذ مشاريع وبرامج عبر موازنة البلدية السنوية، إلا أن ما قاله قمر الدين يؤكد أنه ليس هناك سلّم أولويات لدى المجلس البلدي، وبالتالي ليس هناك تبنٍّ لأي رؤية تحدد الحاجات الملحة في المدينة.

أسباب الاعتراض

قاطع 15 عضواً في المجلس البلدي المؤتمر الصحافي المخصص لعرض "فيلم" الخطة، وذلك احتجاجاً على التفرّد في إعدادها وعدم اقترانها بالدراسات الكافية وعدم عرضها إلا في جلسة غير رسمية لم يحضرها سوى عشرة أعضاء من أصل 24 عضواً، ولم تتم مناقشتها والتصويت عليها.
يقول أحد الأعضاء المعترضين إن هذه الخطة جاءت للالتفاف على لائحة تحمل 23 مطلباً لتصويب العمل البلدي رفعها 19 عضواً إلى رئيس البلدية قبل أيام من وضع الخطة المزعومة وهددوا بمقاطعة الجلسات في حال عدم تنفيذها.
يرفض رئيس لجنة التنظيم الإداري، باسم بخاش، الكلام عن خلفية سياسية لمقاطعة المؤتمر، يقول: "هذا معيب، قاطعت المؤتمر لأني غير موافق على الخطة كونها خيالية ومجمعة كقطع Puzzel من دون موازنة فعلية أو جدول زمني، ما هكذا تُعدّ الخطط، كما أنها لم تعرض علينا بشكل رسمي لمناقشتها والتصويت عليها، لذا لا يمكن أن تكون مقاطعتنا المؤتمر لأسباب سياسية، وإنما العكس تماماً، أي أن ضغوطاً مورست على بعض من حضروا، وعلى كل حال لا يمكننا أن نتواجد من أجل إكمال الصورة فقط والسكوت على تغييبنا عندما تستدعي الضرورة كما حدث عند حضور 13 سفيراً أوروبياً إلى طرابلس وأقامت البلدية مأدبة غداء وجولة سياحية لهم، ولم نعلم أو ندعَ إلى الاجتماع بهم وكأننا غير معنيين!".
يعلق رئيس لجنة البيئة، نور الأيوبي (لائحة قرار طرابلس المحسوبة) على ما يجري بالقول: «الفيلم ناقصه بوب كورن»، في إشارة الى أنه فيلم مسلٍّ ولا يصلح كخطة عمل، موضحاً: «الفيلم بعيد عن الواقع الذي يعيشه المواطن الطرابلسي يومياً، ففي الوقت الذي يعدد فيه الفيلم خططاً لمعالجة مشاكل المياه والمدينة القديمة والسياحة والنقل المشترك والمواقف والحدائق والتربية والصحة والفقر وفرص العمل ومكافحة المخدرات والتنظيم الإداري... فهو لا يقدم نموذجاً واحداً عن كيف ستكون المعالجة. أنا منزعج لأن الفيلم أعد ليشرح موازنة المجلس لعام 2017 وضمّ مقترحات مني ومن الزملاء، على أن ينجز خلال ثلاثة أسابيع، فإذا به يتحول إلى خطة خمسية استغرق إعدادها أكثر من خمسة أشهر ولم تعرض علينا. أما حضوري العرض فكان بناءً على تمني رئيس البلدية كونه صديقاً شخصياً، وللأمانة لا وجود لضغوط سياسية في المجلس، والسياسيون يتجنبون لعب أي دور سلبي، ربما لأنهم منشغلون بالتحضير للانتخابات». ويعوّل الأيوبي على حركة التنقلات بين الموظفين التي أجراها رئيس البلدية أخيراً، آملاً إحداث فرق إيجابي في العمل البلدي.




خطط بالجملة من دون تنفيذ

يتساءل مطلعون عن مصير الخطط السابقة، ولماذا لا يتم تفعيلها وتطويرها، مثل "استراتيجية التنمية المستدامة/ الفيحاء 2020 AFSDS"، التي وُضعت عام 2011 من قبل تحالف المدن Cities Alliace ضمن خطة عمل عالمية بعنوان "مدن بدون أحياء فقيرة" بتمويل من البنك الدولي. عمل على هذه الاستراتيجية العديد من خبراء التنمية والتخطيط بالتعاون مع اختصاصيين محليين في مجالات مختلفة، استناداً إلى نهج قائم على المشاركة، وضمت 24 مشروعاً استراتيجياً، نُفذ منها إنشاء مكتب التنمية المحلية في اتحاد بلديات الفيحاء فقط. وقد تجاهلها النواب حينها ووضعوا خطتهم الخاصة "طرابلس 2020"، التي أطلقت في العام نفسه، رغم أن عدداً من بنودها يتطابق مع الخطة السابقة وكانت تستوجب إنشاء "مجلس تنمية طرابلس"، وقد جُمدت عند فك التحالف بين النواب. كذلك سبق أن تم وضع خطة RAMUD للنقل الحضري المستدام (عام 2013) وهي مكملة للخطة الاستراتيجية الأولى AFSDS، ورمت إلى بناء استراتيجية متكاملة للنقل في إطار شراكة مع 16 دولة، وممولة من الاتحاد الأوروبي. كذلك خطة استراتيجية خاصة بباب التبانة – جبل محسن عام 2014 مولتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. تَبِعَ تلك الخطط "خطة التنمية المستدامة الحضرية المتوسطية" USUDS عام 2014، أعدها برنامج التعاون المشترك عبر الحدود لحوض البحر المتوسط ENPI CBCMED بإدارة محافظة برشلونة ــ إسبانيا وبالتعاون مع بلديات لارنكا ــ قبرص، صفاقس وسوسة – تونس، ومولها الاتحاد الأوروبي.
كل تلك الخطط وغيرها نامت في الأدراج ولم يسمع عنها الكثير. يقول مطلعون: "إن تجاهل هذه الخطط القيمة الغنية بخبرات مدن لها باع طويل في التطوير المدني، وابتداع خطة هزيلة هزلية في مدينة على شفير الهاوية يتجاوز حدود الجريمة ليصل إلى مستوى المؤامرة".