تعالت أصوات في جلسة مجلس الوزراء تهدد بإلغاء قانون سلسلة الرتب والرواتب في حال قرّر المجلس الدستوري ردّ قانون الضرائب، بناءً على مراجعة الطعن التي قُدّمت أمامه من نواب الكتائب وخمسة نواب آخرين. تقول مصادر وزاريّة لـ«الأخبار» إنه «في مستهل جلسة مجلس الوزراء، أمس، قدّم الرئيس سعد الحريري مداخلة تتعلق بالطعن المقدّم في قانون الضرائب أمام المجلس الدستوري، والتي سبق أن تمّ الاتفاق عليها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، إذ أجمعت كلّ الكتل النيابية الممثلة في مجلس الوزراء على عدم تحمّل تبعات إقرار السلسلة بمعزل عن إيراداتها، وذلك في حال ردّ المجلس الدستوري قانون الضرائب، لما قد يحمله ذلك من خلل في التوازن المالي، قد يدخل البلد في إنفاق ينعكس سلباً على ماليّة الدولة ووضعها النقدي».
وتتابع المصادر «الموقف النهائي لم يحدّد بعد، بانتظار صدور قرار المجلس الدستوري، وفي حال ردّ القانون، هناك آليات معروفة طرحت لمواجهة القرار، ومنها إصدار قانون يلغي قانون السلسلة، وفي حال ردّ بعض بنود القانون يتحوّل النقاش إلى سبل إيجاد إيرادات بديلة لها».

«دولة» قاهرة لمواطنيها!

التهديد بإلغاء قانون سلسلة الرتب والرواتب يعيد الأمور إلى النقطة الصفر ويفجّر صراعات كثيرة، إلّا أن بعض المتابعين يعتبرون أن هذا "التهديد" هو للضغط على المجلس الدستوري باتجاه إصدار قرار معيّن، ما يعدّ تدخلاً مكشوفاً في عمل القضاء، أو هو تعبير حقيقي عن موقف هذه السلطة الفعلي الرافض لإقرار السلسلة رضوخاً لمطالب الهيئات الاقتصاديّة، علماً بأن هذا التهديد ليس الأوّل، فعند إقرار قانونَي سلسلة الرتب والرواتب والإجراءات الضريبيّة، في آب الماضي، برزت مؤشّرات جدّية حول احتمال أن يقوم رئيس الجمهوريّة ميشال عون بردّهما إلى مجلس النواب لإعادة مناقشتهما وتعديل بعض أحكامهما نتيجة الضغوط الكثيرة التي مارسها المعترضون، وفي طليعتهم المصارف ونقابة المحامين والمدارس الخاصة.

لا يحقّ لمجلس النواب
أن يصدر قانوناً يلغى
فيه حقوقاً مُكتسبة

كما يذكّر بكيفيّة فرط جلسة مجلس النواب في آذار الماضي التي خصّصت لإقرار القانونين، عندما رفع نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الجلسة قبل اكتمال النصاب، اعتراضاً على «المزايدات والعرقلات التي يقودها النائب سامي الجميل». وكلّ ذلك يندرج ضمن إطار المعزوفة نفسها التي نجحت في نسف كلّ محاولات إقرار السلسلة، منذ عام 2012، مع بدء تحرّكات هيئة التنسيق النقابيّة.

الأجر حقّ مكتسب

هذا كان قبل إقرار السلسلة. أمّا اليوم، بعد إقرارها ونشرها في الجريدة الرسميّة، فقد تحوّلت إلى قانون نافذ، فهل يجوز إلغاء القانون وحرمان آلاف الموظفين والعسكريين والأساتذة من حقّهم المكتسب والاستمرار بهضم حقوقهم ورواتبهم المجمّدة منذ عام 1996؟
يقول أستاذ القانون رامز عمّار إن «إلغاء قانون السلسلة يجب أن يتمّ بقانون، وهذه الصلاحيّة معطاة إلى السلطة التشريعيّة باعتبارها صاحبة السلطة العامّة، إلّا أن لهذا القرار تبعات اجتماعيّة وسياسيّة، كونه ألغى قانوناً أجاز حقوقاً ورفع أجور القطاع العام، وتالياً هي باتت حقوقاً مكتسبة لديها قوّة قانونيّة ودستوريّة».
من جهته، يشير المحامي نزار صاغية إلى أن «الحكومة تتصرّف بقلّة مسؤوليّة، وتعلن عن مواقف افتراضيّة رداً على قرار لم يصدر بعد، وهي بذلك تمارس تهويلاً على الموظّفين المستفيدين من السلسلة، وضغطاً على قضاة المجلس الدستوري وتدخلاً في عملهم لإصدار قرار باتجاه معيّن، وتضع الطرفين في مواجهة ثنائيّة»، ويتابع صاغية «عموماً، لا يحقّ لمجلس النواب أن يصدر قانوناً يلغى فيه حقوقاً مُكتسبة، كون هذا المجلس يتقيّد بالدستور، الذي جعل من الأجور حقوقاً مكتسبة، والحق المكتسب هو كالمصلحة العامّة لا يوجد مبرّر لإلغائها، فضلاً عن أن هذا الحقّ مصان بالمعاهدات الدوليّة التي تنصّ على الحقّ بالعيش الكريم وبمدخول عادل. وتالياً إن كان هناك خطأ دستوري في عمليّة التصويت على القانون، أو إن كان هناك ضريبة تتعارض مع الدستور، على المجلس النيابي إعادة التصويت أو فرض ضرائب أخرى، لا تعليق حقوق مكتسبة ومستحقة منذ سنوات».
بالنسبة إلى هيئة التنسيق النقابيّة «من الجائر الربط بين الضرائب والسلسلة، كون الضرائب تدخل في عموم الموازنة وهي غير مخصّصة حصراً للسلسلة»، يقول مسؤول الإعلام في رابطة التعليم الأساسي عدنان برجي، الذي اعتبر «إن إلغاء قانون صحّح أجور الموظفين قد يشكّل سابقة في تاريخ لبنان لأسباب عدّة، أهمّها أن هذا الأجر هو حقّ مكتسب لا يجوز التراجع عنه كي لا يتعارض مع شرعة حقوق الإنسان التي تكفل العيش الكريم، والدستور الذي يكفل الحق بالعمل وبأجر عادل. ولأن ارتفاع الغلاء المعيشي مراراً، بالتواتر مع الحديث عن إقرار السلسلة خلال السنوات الخمس السابقة، ومن ثمّ إقرارها، دون إعطاء الناس حقوقهم، قد يؤدي إلى انفجار في البلد»، وخلص برجي إلى القول «نحن بانتظار صدور قرار المجلس الدستوري، واجتماع الروابط لنتخد المواقف النهائيّة».