قصّة مياومي الكهرباء الطويلة، مع تراكماتها وتعقيداتها، وصلت إلى النتيجة الآتية: شركة دباس المسؤولة عن منطقة الجنوب والجبل والضاحية الجنوبية غير قادرة على تسديد رواتب المياومين. فلهؤلاء راتبا شهرين في ذمّة المؤسسة التي تغرق في دين بقيمة 80 مليون دولار يتوزّع بين متعهدي الأشغال وموردي السلع والخدمات والمصارف، إضافة إلى مجموعة دائنين.
فيما مجموع ما تطالب به الشركة مؤسسة كهرباء لبنان يبلغ 20 مليون دولار. وعلى افتراض أن المؤسسة سدّدت كامل المبلغ المتوجب للشركة، سيتيح لها ذلك إعادة جدولة ديونها وتسديد الرواتب، من دون أن يلغي واقع فشل مشروع مقدمي الخدمات القائم على خصخصة أعمال التعهدات والجباية والتحصيل وغيرها.
فشل شركة واحدة من أصل ثلاث هو فشل لكل المشروع، لأن احتمال تكرار هذا النموذج وارد في كل لحظة، إذ أن هذا الفشل جاء تحت نظر الجميع في مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة والمياه ومجلس الوزراء. و«النكتة» أن اللائمة تُلقى على المياومين، الفئة الأكثر قهراً في هذه المعمعة كلها، والأكثر عرضة لكل أنواع الاستغلال وأبشعه. فقد تحوّل هؤلاء، على مدى الفترة الماضية، ورقة في يد طرف سياسي يستعملها في وجه طرف آخر، يستعملها أيضاً لتحقيق مكاسب أخرى. معادلة جهمنية أدخلت فئة من العمال الأكثر فقراً وهشاشة في لعبة «زعماء» السياسة الذين لا يبدون اليوم أي اهتمام لمعالجة قضيتهم ولا لانهائها.

إضراب مفتوح لعمال مؤسستي مياه الشمال والبقاع حتى الحصول على السلسلة

علماً أن هناك لجنة تضم النائب أكرم شهيب ووزير الطاقة سيزار أبي خليل ومستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان، لم تقم بأي خطوة لتقديم العلاج، وإنما تدير، وكالة عن الزعماء، صراع النفوذ على أرض المياومين.
المياومون كانوا يعملون لدى متعهدين غبّ الطلب لدى مؤسسة كهرباء لبنان، قبل أن يُنقلوا إلى كنف مقدمي الخدمات، أي من تحت الدلفة إلى تحت المزراب. ضعفهم أنهم أصبحوا قوّة سياسية يرفض احتضانها أي مستثمر. فقد طرح حلّ استبدال شركة دباس بشركة يملكها النائب نعمة طعمة. الأخير كان يطمع بالاستحواذ على كل البقعة الجغرافية التي تقع تحت إشراف دباس، لكن ثمة من كان له بالمرصاد ويريد تقسيم الحصص بين الجبل والضاحية والجنوب. حركة أمل لم تقبل بأن يحصل طعمة على كل الجنوب مقابل بقاء شركة دباس في الضاحية وشركة يديرها رياض الأسعد في الجبل. الطرفان يريدان «كل شيء». وترددت معلومات أمس أن هذا الملف سيعرض على جلسة مجلس الوزراء المقبلة، ضمن اتفاق يقضي بحصول طعمة على كل البقعة الجغرافية التي تقع تحت إشراف دباس.
تختصر قصّة دباس ومياوميها قصة المياومين ومشروع مقدمي الخدمات. فشل آخر كان قد حذر منه الاستشاري السابق لهذا المشروع («نيدز») في 2014. بحسب المراسلات الرسمية بين مديرية الاستثمار في وزارة الطاقة ووزير الطاقة، فإنه بعد مرور سنتين ونصف سنة على تنفيذ مشروع مقدمي الخدمات، تبيّن أنه يواجه عقبات وصعوبات وإشكاليات ومشاكل وتعقيدات كبيرة. يستند هذا الكلام الى تقرير لـ«نيدز» يشير إلى أن حجم الأعباء المالية المترتبة عن استمرار مؤسسة كهرباء لبنان في إعطاء دفعات مالية مسبقة لشركات مقدمي الخدمات خارج الإطار التعاقدي! مقدمو الخدمات يحصلون على أموال إضافية غير مشروعة ثم يسقط بعضهم، وهم لا يحققون الأهداف المرسومة لهم والمطلوبة منهم والتي يعبّر عنها كمؤشرات أداء.

عمال المياه: اقتطاع الرواتب بدل السلسلة

وفي موازاة تحرّك المياومين، كانت هناك تحركات أخرى لعمال مؤسستي مياه البقاع والشمال. إذ قررت الجمعية العمومية لمستخدمي وعمال مؤسسة مياه الشمال الاضراب المفتوح والتوقف عن العمل بدءاً من صباح غد، على أن يبدأ التجمع يومياً عند العاشرة صباحاً أمام المبنى الرئيسي خلف سرايا طرابلس ويستمر «حتى الموافقة على فتح الاعتماد لدفع سلسلة الرتب والرواتب كسلفة في انتظار صدور المرسوم، وتأكيد حقنا بتطبيق المادة التاسعة من القانون 46/2017 المتعلقة باعطائنا ثلاث درجات اسوة بجميع فئات الادارات العامة التي قبضت هي والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل كامل المستحقات من تاريخ توقيع القانون في 21/8/2017».
ويأتي هذا التحرّك بعد مرور أكثر من 100 يوم على صدور القانون 46/2017 المتعلق بتحويل سلاسل الرواتب الذي نصّ على استفادة عمال ومستخدمي المؤسسات العامة من سلسلة الرتب والرواتب، على أن تحدّد قيمة غلاء المعيشة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، يحدّد أيضاً زيادة ساعات العمل. غير أن وزارة الطاقة بدأت بتطبيق الغاء الساعات الإضافية والغاء سلفة غلاء المعيشة التي كان موظفو المؤسسة يقبضونها أسوة بموظفي القطاع العام. كما رفضت الوزارة فتح اعتمادات في موازنات المؤسسات لتأمين دفع الزيادة في انتظار صدور المرسوم.
قصة عمال مياه الشمال، مماثلة لقصة عمال مياه البقاع الذين اعتصموا أمس أمام مبنى المؤسسة في زحلة وقطعوا الاوتوستراد، مطالبين «بتنفيذ المادة 17 من سلسلة الرتب والرواتب»، ومعلنين الاضراب ثلاثة أيام حتى يوم الجمعة المقبل حين سيُبحث في «إتخاذ الخطوات التصعيدية اللازمة».