نقاش كثير وموجة اعتراضات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي أثارها قرار حركة أمل إقامة نصب تذكاري في مرجة رأس العين، المساحة الخضراء الشهيرة في قلب المدينة التاريخية.
«نُصُب القسم»، نُصِب بالفعل في المرجة، من دون افتتاح رسمي بعد. والسبب، على الأرجح، هو عدم إثارة الضجة مجدداً حول الموضوع.
في 17 آذار 1974، احتشد نحو 75 ألف شخص في مرجة رأس العين، وردّدوا وراء الإمام السيد موسى الصدر القسَم الشهير الذي جاء فيه: «نقسم أن لا نوفّر جهداً لإحقاق الحق وإبطال الباطل ومحاربة الطغيان وأن نقف مع كل مظلوم... وسنبقى إلى جانب الحق وإلى جانب الوطن، والله على ما نقول شهيد». بعد أكثر من 43 عاماً، قرّرت حركة أمل تخليد ذلك اليوم بنصب تذكاري على الطرف الشمالي للمرجة، بالقرب من بحيرة البياضة الأثرية. الخطوة لقيت احتجاجات من أهالي المنطقة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي رفضاً لوضع شعارات حزبية في حيّز عام يعني كل البعلبكيين ويشكّل جزءاً من ذاكرتهم.

علي ياغي، الناشط في المجتمع المدني، يؤكّد أن الامام الصدر شخصية وطنية جامعة، لكن المشكلة تكمن في أن النصب يتضمن «لوغو» حركة أمل.
ويلفت إلى أن القسَم الذي ألقاه الإمام الصدر لم يكن تماماً في مرجة رأس العين بل خارجها، «والصور تثبت أن الناس تجمعوا داخل المرجة، لكن الإمام كان خارجها، وقد ألقى القسَم من قهوة محمد عباس ياغي التي تُعرف اليوم بكازينو رأس العين». ويبرّر ياغي الضجة التي أثيرت أخيراً، رغم أن المشروع بدأ في عهد البلدية السابقة حين وضعت لوحة رخامية في المكان نفسه، بأن «اللوحة آنذاك لم تلفت الاهتمام لصغر حجمها»!
«مع الأسف قضي الأمر»، يقول ياغي، متسائلاً عن سبب عدم إقامة النصب في الأرض الملاصقة لمركز باسل الأسد الثقافي، وهي أرض تملكها كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة أمل، ومحاذية للمرجة، ولا تبعد سوى بضعة أمتار عن الموقع الحالي.
الإصرار على وضع النصب في «مكان عام للجميع والأكل من المساحة الخضراء»، بحسب ظافر الرفاعي، سببه «تدني شعبية الحركة ومحاولة منها لإثبات الوجود في منطقة يسيطر عليها حزب الله».

رفض للشعارات الحزبية في حيّز عام يعني كل البعلبكيين ويشكّل جزءاً من ذاكرتهم

ويؤكد أن الاعتراض «لا ينبع من عداء للحركة، وإنما لأن بعلبك تضم تنوّعاً ينبغي الحفاظ عليه». ويرى الرفاعي في النصب «استفزازاً لفئة واسعة من الناس، وأنا منهم»، لأن المرجة ساحة عامة «يُفترض أن لا تتلوّن بلون واحد، وهي تشكل متنفساً وخصوصاً لذوي الدخل المحدود. ولو كان السيد موسى موجوداً بيننا لرفض إقامته».
لطالما شكّلت مرجة رأس العين، نظراً إلى مساحتها الكبيرة (أكثر من خمسين ألف متر مربع)، مكاناً لإحياء الاحتفالات الحزبية والدينية. لكن إقامة النصب في رأي المعترضين «يرسخ وجهاً حزبياً واحداً للمكان، وأنا لا أريد أن أجلس في ديار أحد»، يقول الرفاعي. ويلفت الى أن المرجة مقصد سياحي، «وللأسف تحيط بها مظاهر حزبية عدة. إلا أن داخلها يجب أن يبقى للجميع». ولكن، أليس الإمام الصدر شخصية جامعة للبنانيين؟ يجيب الرفاعي: «لو أن النصب للسيد موسى حصراً، وهو شخصية وطنية نفخر بها، لما كان هناك اعتراض. لكن شعار أمل ليس للبنانيين جميعاً».
يسأل أحد المعترضين (رفض الكشف عن اسمه): «أين أحزاب المنطقة من كلام الإمام الصدر، وهل تشيّد أمل النصُب دليلاً على إنجازاتها؟!»، لافتاً إلى أن الصدر تحدث في خطاب القسم عن إنماء منطقة بعلبك الهرمل والنهوض بواقع المحرومين وإنصاف البقاع، «فأين نحن من ذلك كله؟».
رئيس بلدية بعلبك الحالي العميد حسين اللقيس (محسوب على حزب الله) الذي أعطى في شباط الماضي الموافقة على بناء النصب، اعتبر أن الاحتجاج يأتي على خلفية «المجاكرة»، متهماً المحتجين بـ«عدم النضوج»، وملمّحاً إلى «أبعاد طائفية لهذا الرفض من بعض العائلات التي تقف تقليدياً ضد حركة أمل وحزب الله». ولدى تذكير اللقيس بأن رئيس بلدية بعلبك الأسبق غالب ياغي رفض إقامة النصب، رغم أنه ليس من خلفية طائفية مختلفة، أجاب بأن ياغي «معروف هواه السياسي وميله إلى 14 آذار. واعتراضه لم ينطلق من الحرص على التنوع وعدم تسييس الأماكن العامة». وأكد اللقيس أن النصب يشغل «حجم غرفة» و«لا يؤثر على المنطقة السياحية لأنه مرتّب ومنسجم مع المنظر العام». ولفت إلى أنه «في كل مدن العالم توجد تماثيل في الأماكن العامة»، مشيراً إلى أن «القسَم» «عامر بالنفَس الوطني والوحدوي وعابر للطوائف، وحريّ أن يُخلّد ويكون عبرة للبنانيين».