تصل إلى بلدة زاروت، وهي بلدة صغيرة ضمن بلدة أكبر منها هي برجا. في سيارة الأجرة، السائق «ابن المنطقة ومش من قبرص» كما يقول، يقود بمزاجٍ جيد متجهاً الى مركز «برجا التعليمي المجتمعي» الذي افتتح من أجل النازحين السوريين. حتى السائق، ليس لديه الكثير من الأفكار عن شكل هذا المركز ومساحته وطريقة التعليم فيه. هو لم يسمع به أصلاً، رغم أنه سائق، ورغم أن السائقين يعرفون كل شيء. في الطريق، لا وجود للافتة تدلّ إلى مكان المركز. تسأل أهالي المنطقة فيأتي الجواب واحداً: «لا نعرف». حتى السوريون ــــ المعنيون الأساسيون بالموضوع ـــــ لا يعرفون عنه شيئاً.
بعد عناءٍ طويل، نصل إلى «المركز». تتلاشى جميع الأفكار التي يمكن تخيّلها لدى سماع كلمة «مركز». بناء سكنيّ عادي، داخله شقّتان عاديّتان، إحداهما تحت الأرض، تحوّلت غرفهما إلى صفوف ومكتب صغير تجلس خلفه مديرة، تنظّم مواعيد خروج التلاميذ ودخولهم، مع عاملة من عمّاله.
نحن أمام «شبه مركز تعليمي». الطلاب، في الصفوف، أو شبه الصفوف، من أعمار مختلفة. لكنهم من أعمار مختلفة في الصف الواحد. لا معايير منهجية واضحة. يقول المسؤولون إن المركز يضمّ نحو مئة وعشرين تلميذاً، تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثالثة عشرة. لكن، في الواقع، وبالنظر إلى حجمه الصغير جدّاً، لا يمكنه استيعاب أكثر من خمسين تلميذاً. لا ندري أين ذهب البقية. مساحة الشقة الواحدة لا تتعدى المئتي متر مربع، ولا يوجد فيها سوى حمام واحد، يستخدمه الجميع، ذكوراً وإناثاً. أما الصّف، الذي من المفترض أن يتألّف من عدة طاولات، فصغير جدّاً، ولا يضمّ سوى طاولة واحدة يجلس عليها عشرة تلاميذ أحياناً. تتفاوت أعمارهم كثيراً، فمنهم من هو في العاشرة من عمره بين «رفاق» لا يتعدون السادسة، جميعهم في الصف نفسه، ويدرسون المادة نفسها. أما المواد التي يتم تعليمها، فتقتصر على تلك الأساسية كاللغات (عربية وأجنبية) والرياضيات. يقضي التلاميذ أوقات فراغهم، في الصفوف، بسبب عدم وجود باحة في هذا المركز، علماً أنّ الباحة من الشروط الأساسية لأي مركز تعليمي أو مدرسة.
في البحث عن أسباب هذه الخِفة، في التعاطي مع «التعليم»، تقول جمعية «أرض الإنسان» الإيطالية إنها تموّل المركز من كافة النواحي، من نقل وأقساط وقرطاسية وغيرها، بدعم من الصندوق الائتماني الأوروبي وAVSI وجمعية War Child. أسماء رنانة وتبدو كبيرة، لكن «المركز» بالكاد يُرى. هل تهتم هذه الجمعية، بما يحصل في الداخل، وخاصة طريقة اختيار الأساتذة مثلاً؟ لا يمكننا الافتراض أن الجواب ايجابي. فعاليّات في المنطقة أكدوا أن اختيار الأساتذة يحصل «على الطريقة اللبنانية»: يُعيّنون «بالواسطة»، وليس بالكفاءة. المصادر تقول إنّ التلاميذ المسجّلين في المركز لا تستقبلهم المدارس بحجّة عدم قدرتها على استيعاب أعدادهم، علماً أنّ عددهم ليس كبيراً، ويمكن للمدارس أن تفتح أبوابها لهم بعد الظهر كما تفعل العديد من بلدات الإقليم!
لا يجد سكان المنطقة القريبون من المركز ما يمكن الاستفادة منه. يذهب إليه من لا يمكنه الذهاب إلى أي مكان آخر. يقولون: «لا يمكن أن يكون مركزاً تعليميّاً أبداً، إنه مجرد مكان يقضي فيه بعض الناس أوقات فراغهم ويؤمّنون مصالحهم». في الداخل الصورة مختلفة. وبالنسبة للجمعية الإيطالية التي تدفع، ربما يكون الأمر كذلك أيضاً، إذا افترضنا «حسن النية». تعتقد إدارة المدرسة أنها تقوم بفعل خير للتلاميذ، على الأقل هذا ما تصرّ عليه. ولكن، من لمحة بسيطة للمكان، سنرى أطفالاً يتعرّضون للضغط النفسي بسبب دمجهم مع أطفال أكبر منهم أو أصغر منهم بكثير. سنرى «تسرباً مدرسياً» موصوفاً.