من «قلب» الموسيقى الأثيوبية الصاخبة، تطلّ سفيرة أثيوبيا في لبنان، حليمة فقيه، بحجاب زهري يطوّق وجهها الصّغير، من دون «دباييس». تلقي التّحية باللغة الإنكليزيّة التي تتحدّثها بطلاقة، ثمّ تبتسم مخبّئةً في تقاسيم وجهها خمسة وستّين عاماً من العمر. «نصف» هذه السنوات قضتها تعمل كدبلوماسيّة، جلّها كانت في إيطاليا: 23 عاماً، قبل أن تنتقل إلى أستراليا، ومن ثم تركيا فالكويت، «وها أنا أخيراً سفيرة لأثيوبيا في لبنان البلد الجّميل»، تقول مبتسمة. في هذا البلد «الجميل»، ثمة جميلات من بلادها تعلّمن مثلها، ولكنهنّ لم يجدن فرصتهن في الحياة.

تؤكد فقيه هذا الأمر بالقول إن «نسبة مرتفعة من العاملات في لبنان من حملة الإجازات». تستفيض في الحديث عن أوضاع بنات بلادها اللواتي يتجاوز عددهن «هنا 300 ألف عاملة في الخدمة المنزلية». بحكم عملها في السفارة، فهي على تماس مع حكايا كثيرات، بعضها مفرح وبعضها الآخر محزن. ولكن «في الغالب أعرف أنهن يعملن ويعشن بسعادة، فالعائلات اللبنانبة لطيفة بشكلٍ عام». مع ذلك، ثمة عائلات «مش لطيفة»، متأسفة هنا لحال «العاملات اللواتي يتعرّضن للتعنيف الجسدي والمعنوي في بعض العائلات التي لا تدفع لهنّ أجورهنّ رغم أنّها زهيدة». لا تملك السفيرة ما تفعله لهؤلاء، فجلّ ما تقدر عليه هو «التدخل لفضّ الخلافات بين العاملات والعائلات». لا شيء أكثر من ذلك. هي عاجزة. تعترف. وبحزنٍ، تردف: «لو توافرت فرص العمل في البلاد، لما وصلت الحال إلى هنا»، قبل أن تستطرد: «وحتى لو توافرت، فالأجور هناك لا تتعدى الـ 50 دولاراً في الشّهر وهذا ما يدفع الفتيات للعمل خارجاً والوقوع ضحيّة الاستخدام».
تأسف السيدة التي قضت جل عمرها دبلوماسية لحال بنات بلدها العاجزات. تخاف كلما سمعت قصص اللواتي وضعن حداً لحياتهن، وهي لا تملك ما تفعله. 300 ألف عاملة. الرقم كبير، لا طاقة لسنوات «خدمتها» أن تحويه.