في 2003، تبين للأمن العام تكرار حالات ارتبط فيها طلاب علوم دينية بلبنانيات لتحسين شروط إقاماتهم في لبنان، وغالباً ما انتهت هذه الزيجات بالطلاق. «مراقبة» الأمن العام لهذه الحالات المتكررة بشكل بارز دفعت إلى إصدار تدبير يطال طلاب العلوم الدينية حصراً، يمنعهم فيها من الارتباط بلبنانية أثناء فترة الدراسة. وهو تدبير لا يقتصر على السوريين، بحسب ما ضجّت به مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، بل يشمل كل طلاب العلوم الدينية، بصرف النظر عن جنسيتهم ودينهم.
وبعيداً من التبريرات الأمنية والإدارية، فإن تدبيراً كهذا، من ناحية إنسانية، لا يبدو منطقياً. «الأخبار» تواصلت مع طالبَي علوم دينية من جامعة القديس يوسف، نفيا أن يكون قد طلب منهما توقيع تعهد كهذا. ولفت أحدهما إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أنه ربما «لم يطلب منّا ذلك كوننا رهباناً، ولن نتزوّج بأي حال من الأحوال».
وفي سياق مواز، يقول طالب حوزوي «إن الاحتيال يحدث، لكن ذلك لا يبرر أبداً مثل هذا التعهد. صحيح أن هناك علاقات مصلحية، ولكن هناك أيضاً علاقة صحية وجدية، فبأي حق يصدر مثل هذا التعميم؟».
الكاتبة بالعدل مها بونجم التي نظمت التعهد الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أكدت «إن هذا القرار صادر عن الأمن العام ونحن نلتزم به». ولفتت أيضاً إلى أن التعهد لا يشمل كل الطلاب السوريين، وإنما هو خاص بطلاب العلوم الدينية لأي دين أو جنسية انتموا. بونجم أكّدت أن هذا التعهد «بالمبدأ، قانوني، طالما أنه محدود بفترة الدراسة، وطالما أن هناك أسباباً موجبة تبرره». وأشارت الى وجود تعهّدات مماثلة «كتلك التي يوقّعها تلامذة الضباط بعدم الزواج لخمس سنوات إلى ما بعد تخرّجهم».
الأستاذ في جامعة القديس يوسف، أنطوان مسرة، اعتبر أن «نص التعهد واضح ورصين وقانوني ويستند الى وقائع آنية، وهو لا يمس حرية الفرد بالزواج مستقبلياً، ولا يضع قيوداً على حرية الحب. فهو نص محدد ويتعلق بحالة راهنة (لا يوجد أي علاقة أو ارتباط من أي نوع كان يربطني بفتاة من الجنسية اللبنانية)».

صاغية: لا يحق للأمن العام التشريع واستقالة وزارة العدل من دورها أوصلتنا الى هنا

من وجهة نظر قانونية: «التعهد مجرد تعهد معنوي، ليس له طابع إلزامي ولا يجوز أن يكون ملزماً قانوناً، فلا يحق لأحد منع الحب والزواج». ويشدّد مسرة على أن من «واجب النظام القانوني اللبناني القيام بإجراءات تضمن حقوق الفرد، وتحديداً ضمان عدم التحايل بواسطة الزواج للانتفاع بمفاعيل أي زواج بأجنبي أو أجنبية، والذي من نتائجه القانونية نيل الجنسية وما يتعلق بها من منافع كالإقامة وتعليم الأولاد وغيره». ولفت الى أن العديد من البلدان لحظت ما يسمى «الزواج الأبيض» mariage blanc الذي يعقد في سبيل اكتساب الجنسية، وعمدت إلى إجراءات عدة تضمن أن لا يكون الزواج وسيلة تحايل لنيل الجنسية.
ومِثل هذه القوانين يثير جدلاً في أماكن صدورها. وهي، بالنسبة الى كثيرين، قوانين على «حافة العنصرية». وجهة نظر يعبّر عنها المحامي نزار صاغية الذي يؤكّد «أن هذا التعهد انتهاك فاضح وسافر لكل منظومة حقوق الإنسان وللدستور اللبناني الذي التزم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». يذهب صاغية أبعد من ذلك: «يطلبون من الإنسان أن يتجرد من جزء من إنسانيته. بأي حق يتدخلون في خصوصيات الناس ويمنعونهم من إقامة علاقات عاطفية؟».
يلفت صاغية الى أنها «ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها الأمن العام بالشؤون الخاصة للناس». ففي السابق، أصدر الجهاز تعميماً يمنع العاملات الأجنبيات من الزواج بلبنانيين، ويلزم أصحاب العمل الإبلاغ عن أي علاقة حب أو زواج قد ترتبط بها العاملات تحت طائلة ترحيلهن. تم التراجع عن هذا التعميم إثر حراك حقوقي لـ«المفكرة القانونية». في رأي صاغية، «من العار أن تصدر في لبنان تعاميم من هذا النوع»، مشيراً إلى أن «استقالة وزارة العدل من دورها تركت إدارة هذه الشؤون للأمن العام، وأوصلتنا الى قرارات كهذه كون الأمن العام جهة غير مشرّعة». واستغرب صاغية «كيف يوقّع كاتب عدل مثل هذا التعهد المنافي للقانون؟».