توقف الحراك الغاضب. المياومون اتفقوا على «إدارة» جديدة للأزمة، وعلى أسلوب جديد للحصول على مطالبهم. لأسباب عدة، قرروا مغادرة الشارع، ومحاولة التركيز على تقديم «إضاءة إنسانية على القضية»، تقتضي منهم توثيق ملفهم لجهة إحصاء عدد الضحايا والجرحى الذين سقطوا دفاعاً عن لقمة عيشهم، وهناك إمكانية لاستحداث صفحة خاصة بهم على «فايسبوك» لنشر القصص اليومية لمعاناتهم.
الخلفية التي قدمت لفرض هذا التوجه، بحسب المياومين، هي التعاطف غير المسبوق للرأي العام اللبناني مع قصة المياوم حسن عقل الذي تعرض لصفعة من الضابط في قوى الأمن الداخلي حسين خشفة. إذاً، قرروا نقل «نضالهم» من الشارع، إلى منصات التواصل الاجتماعي، وإلى أماكن أخرى، يأملون أن تكون مجدية.
في الشكل، نجح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، إلى حد ما، في سحب فتيل أزمة المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان من الشارع. أمس، احتضن مقر الاتحاد الشباب المنتفضين لامتصاص غضبهم، ولمطالبتهم بوضع تحركهم «تحت جناح الاتحاد»، باعتباره «الملاذ الأول للعمال». لكن في الواقع، الأسمر منح المياومين «خريطة طريق» لا سقف زمنياً لتنفيذها. أما الخريطة فتتضمن تعيين الناجحين الفائضين في مجلس الخدمة المدنية ضمن الفئة الرابعة، وإعطاء تعويضات عادلة ومنصفة للمياومين الذي لا يريدون أن يخضعوا لمباريات مجلس الخدمة المدنية، وإيجاد صيغة لدفع رواتب الشهرين الماضيين للعمال والمياومين في شركة دباس (NEUC)، إحدى شركات مقدمي الخدمات الملزّمة المنطقة الثالثة التي تضم الضاحية الجنوبية والجنوب وجبل لبنان الجنوبي، وتأمين ديمومة عمل هؤلاء. فانتهاء عقد الشركة منذ 31/12/2017 يبقي أكثر من 1050 عاملاً وعاملة من دون أي صفة قانونية، ولاحقاً بلا ضمانات صحية واجتماعية، إذ يتوقع أن تبلغ الشركة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فسح العقود مع العمال، نهاية هذا الشهر.

الأسمر طلب من المياومين وقف التصعيد والتركيز
على الملف الإنساني

«الاستمرار في التعاون لإيصال الملف إلى خواتيمه وإنتاج حل يرضي الجميع»، هذا جلّ ما استطاع الأسمر تقديمه للمياومين، لكنه تمكن، في المقابل، من أن ينتزع منهم وعداً بتغيير شكل تحركهم عبر مقاربة الملف من الباب الإنساني والابتعاد عن أي تصعيد ميداني، خصوصاً أن هناك قراراً سياسياً بمنع إقفال صالة الزبائن في المبنى الرئيسي للمؤسسة، كما أبلغهم.
الأسمر دعا، في مؤتمر صحافي مشترك مع المياومين، وزير الطاقة سيزار أبي خليل إلى التعاون، باعتبار أنّ «ما نطالب به هو تنفيذ القانون، وإذا كان هناك خلاف على تفسير القانون، فلا يجب أن يحجب ذلك القضية الإنسانية»، مطالباً بأن يفسر القانون لمصلحة المياوم. وكان أبي خليل قد غرّد على «تويتر» الاثنين الماضي، أي في يوم اعتصام المياومين، قائلاً: «لسنا نحن من أوجد المنطقة الثالثة ولا من أوجد العراقيل، بل على العكس نعمل على حلها، وفي مسألة المياومين لن نوافق على صيغة حل خارج إطار تطبيق القانون 287 الذي أجاز للمؤسسة ملء المراكز الشاغرة، واستئناف مباريات مجلس الخدمة المدنية». أما عضو لجنة المياومين لبنان مخول فقال: «إذا كانت هناك نوايا حقيقية لحل هذه الأزمة، فلنذهب إلى الامتحانات ضمن خريطة الاتحاد العمالي، وإلا فإن هناك محاولات للعرقلة». ودعا الى «إنهاء هذا الملف الإنساني بامتياز»، سائلاً عن اللغز الذي يعترض الحل، في حين أن ملفات معقدة حلت بـ«شحطة قلم».
المياومون لا يدركون فعلاً ما هي الأسباب الحقيقية التي حالت دون إيجاد حل لقضيتهم. فالتسوية ــ الصفقة بين القوتين السياسيتين المتنازعتين (التيار الوطني الحر وحركة أمل) طارت في اللحظة الأخيرة ولم تبصر النور في مجلس الوزراء، رغم أنها تضمنت أن يقبض المتعهد من الباطن (subcontractor) الذي سيتسلم منطقة الجنوب المحسوب على حركة أمل، من مؤسسة كهرباء لبنان مباشرة وليس من شركة دباس، التي تقول التسوية بالتمديد لها أربع سنوات أخرى، أي باعتبار المتعهد شركة رابعة لمقدمي الخدمات. وتبلغ القيمة الإجمالية للصفقة 280 مليون دولار، منها 130 مليوناً للجنوب وحده. في ظل تغيّر «ساحة النضال»، من الواقع إلى افتراضات، والحديث عن «خريطة طريق» ملتبسة، السؤال الذي يبقى عالقاً: هل حُلّت الأزمة؟ الإجابة لا تبدو معقدة.