قبل أيام، هدّد محمد ح.، من بلدة تلحميرة العكّارية، بإحراق نفسه أمام مكتب محافظ عكار عماد لبكي، احتجاجاً على المماطلة في منحه رخصة للبناء. يقول لـ«الأخبار»: «بعد مراجعات متكررة، كان الموظّف المعني في كل مرة يردّ الملف بذرائع مختلفة. هدّدت بإحراق نفسي أمام سراي حلبا، ومن شدة الغضب أغمي عليّ. عندها تبدلت معاملة الموظف بسحر ساحر، وطلب مني العودة في اليوم التالي للحصول على الرخصة، رغم غياب المحافظ. وبالفعل حصلت على الرخصة، وفي ما بعد على رخصة ثانية».و«الموظف المعني»، بحسب مطّلعين، ليس موظفاً في المحافظة ولا منخرطاً في ملاك الدولة أو ضمن موظفي التعاقد، بل هو من الدائرة الضيقة المحيطة بالمحافظ لبكي التي تتولى كافة الشؤون الادارية رغم أن أعضاءها ليسوا موظفين رسميين. ويلفت هؤلاء الى «قطبة مخفية». إذ أن الكثير من المعاملات يتم توقيعها في غياب لبكي، وبإستخدام الختم الأتوماتيكي الذي أصدرته وزارة الداخلية والبلديات للمحافظين خلال فترة الانتخابات البلدية تسهيلا للعمل. هكذا، تُمرّر معاملات من دون علم المحافظ».
تعميم وزير الداخلية نهاد المشنوق، في تشرين الثاني الماضي، بالإجازة للقائمقامين في القرى التي ليس فيها بلديات منح تصاريح بناء من دون اتباع الأصول التنظيمية الخاصة بإصدار رخص البناء، كان يفترض، رغم الاشكالات القانونية حوله وحول أهدافه، أن يشكل متنفساً، خصوصاً للفقراء، في القرى والبلدات التي لا توجد فيها أعمال تحديد وتحرير. لكن الأمر سرعان ما تحوّل إلى باب للسمسرة. ودفع «تلزيم» هذا الملف الى «الموظف المعني» بكثيرين من المهندسين إلى الطلب من أصحاب الرخص متابعتها شخصياً، بعدما تكدّست الطلبات في المحافظة.
يؤكد عدد من المهندسين أن ما يجري «معيب للغاية لأنه يجعل الفقراء رهينة موظف غير رسمي من جهة، ولأن تعميم وزير الداخلية أضاف مخالفات على الفوضى العقارية المزمنة، في ظل غياب أعمال المسح والتحديد والتحرير للأراضي منذ أيام الانتداب الفرنسي وتزايد مخالفات البناء أيام الحرب اللبنانية، ما أدى الى نشوء آلاف الأبنية العشوائية التي لا يراعي الكثير منها شروط التنظيم المدني، ناهيك عن مشاكل أخرى كتعدد الملكيات وعائق الاستثمار».