قبل نحو أسبوع، جاء خبر على النحو الآتي: الجمارك تضبط شاحنة محمّلة بلحوم الدجاج الفاسد. الحديث عن بضاعة كانت في طريقها، تهريباً، إلى السوق الاستهلاكيّة في لبنان. في الخبر أنّ حمولة تلك الشاحنة كانت تزن نحو ثلاثة أطنان. كيف أصبح خبر كهذا تفصيلاً، بل عاديّاً، عند الكائنات البشريّة المقيمة في هذه البلاد؟ البشر يعتادون كلّ شيء. مَن يذكر حملة «غير المطابق للمواصفات» التي أطلقها وزير الصحّة السابق وائل أبو فاعور؟ كان ذلك قبل نحو أربع سنوات. آنذاك، جرى تطبيع مجتمعي، بفعل التكرار، مع فكرة أنّنا نأكل غذاء ممزوجاً بالبراز البشري، يعني بالغائط، الذي نعرفه جميعاً. هذا ما أعلنته «الدولة». كانت تلك لحظة الذروة في الصدمة. بعدها عادت الأجهزة الهضميّة إلى سيرتها الأولى. الحكم استمراريّة؟ ليس هنا. هنا بلاد «فورات الكبد».
ضُبطت الاسبوع الماضي شاحنة دواء مهربة (هيثم الموسوي)

شعبة مكافحة التهريب في بيروت، لدى الجمارك، أوقفت شاحنة الثلاثة أطنان مِن الدجاج الفاسد قبل نحو أسبوع. حصل ذلك إثر إخباريّة قدّمها أحد ما. ماذا عن الشاحنة، الشاحنات، التي لم يوقفها أحد؟ عندما تُضبط شاحنة، في بيروت، يكون أبلهاً مَن لا يُفكّر في الشاحنات التي لم تُضبط بعد، والتي تسير على الطريق، الآن ربّما، لحظة كتابة هذه الكلمات. ثلاثة أطنان مِن الدجاج الفاسد، آتيّة بالتهريب مِن سوريا برّاً، عبرت بسلام إلى شمالي بيروت، إلى منطقة النقاش تحديداً، حيث أوقفت. كانت الحمولة ستوضع في مخزن، قبل التوزيع على المحال، وتلك المحال، بحسب المعلومات، تمتد مِن بيروت إلى جونية. أجريت التحقيقات اللازمة، وما زالت تتابع بإشراف المدير العام بدري ضاهر، كما يحصل عادة. عمليّاً، قامت الجمارك بما عليها، وفق صلاحياتها، لكن ما لا يتوقّع اللبنانيّون معرفته، لاحقاً، هو مصير المُهرِّب والمُهرَّب إليه. لدى الجمارك يُمكن للمسألة أن تنتهي بغرامة ماليّة، وفق مبدأ المصالحة القانوني، لذا يوجّه السؤال هنا عن المآلات إلى القضاء. إلى النيابات العامّة تحديداً. قضاة النيابة العامة الذين، بحسب القانون، لا يُقرّر جهاز أمني شيئاً إلا وفق إشارتهم. أين الشقّ «الجزائي» في القضيّة؟ هنا النقطة الأساس. ثلاثة أطنان مِن الدجاج المُهرّب كافيّة ليأكلها 15 ألف مُستهِلك بشري (هذا إذا حسبنا أنّ وجبة لكلّ زبون تحتوي على 200 غرام مِن ذلك الدجاج).
ضبطت الجمارك نحو 3 أطنان من الدجاج الفاسد وبعد يومين كميّة من الدواء المهرّب


لم تكن تلك المرّة الأولى مع الدجاج الفاسد المُهرّب. نهاية العام الماضي، أي قبل نحو أربعة أشهر، ضبطت شرطة بلديّة طرابلس شاحنة كانت تحوي كميّة مِن اللحوم والدجاج الفاسد. آنذاك، وأثناء عمليّة الضبط، نجحت شاحنة أخرى بالهرب إلى داخل أحياء المدينة الشماليّة. هذا أُعلِن رسميّاً. الشاحنة تستحيل، فجأة، قشّة صغيرة تختبئ في مكان ما! يومها، وكما أعلن رسميّاً أيضاً، كانت تلك اللحوم مُخصّصة كطعام للخنازير. لكنّها كانت تُباع للبشر. في أيلول العام الماضي ضبطت القوى الأمنيّة، في البقاع الغربي، نحو طنّ مِن الدجاج الفاسد الموضّب داخل مستودع. كانت المواد مُعدّة للبيع على أنّها «طازجة» بعد توزيعها. ماذا عن المستودعات التي لم تُضبط، والتي، الآن ربّما، يستريح الدجاج فيها داخل أكياس وصناديق؟ مَن يَعلم؟
مَن يأكل مِن ذاك الدجاج، مِن عموم اللحوم الفاسدة، يتضرّر صحيّاً... لكي لا نقول أكثر. هذا بديهي. المريض يُعالج بالدواء. شعبة المكافحة البريّة في بيروت، لدى الجمارك أيضاً، ضبطت الأسبوع الماضي، بعد يومين مِن شاحنة الدجاج، شاحنة أخرى كانت بداخلها كميّة مِن الأدوية المُهرّبة. المُهرّب، بحسب التحقيقات، ادّعى أنّها كانت ستوزّع على الفقراء والمساكين وما شاكل. كم مِن مريض، الآن، يأخذ دواء بقصد الشفاء مِن دائه، وينتظر وينتظر، بلا جدوى، إذ هو يتناول هواء! أكثر مِن ذلك، الدواء في غير موضعه، مِن حيث المبدأ، هو ضرر. أمّا الفاسد مِنه فيُصبح بمثابة السمّ. هذا قتل. القتل لا يُمكن أن تكون عقوبته مجرّد غرامة ماليّة. هذا هراء. قبل سنوات جرى ضبط مصنع أدوية فاسدة في لبنان، مصنع بحاله، لا مجرّد كميّة مُهرّبة. لم يُعلم مصير صاحبه. ظلّ مجهولاً.
وزير الصحّة السابق، وائل أبو فاعور، وتعليقاً على ضبط اللحوم الفاسدة أخيراً، إلى جانب الأدوية، يقول: «حصل خطأ تاريخي في اتفاق الطائف. جرى تهميش دور المدير العام في كلّ وزارة لصالح دور الوزير. هكذا ضُرب مبدأ الاستمراريّة، في الخطط المستقبليّة، نظراً لاختلاف مزاجيّة الوزير اللاحق عن السابق». يستفيض أبو فاعور: «عندما قمنا بحملة المطابق للمواصفات تحسّنت الأمور كثيراً، لا أقول تماماً، ولكن قبل مدّة أخبرني صاحب أحد أشهر المطاعم في لبنان أنّ آخر زيارة تفتيشيّة استقبلها، في مختلف فروعه، كانت قبل سنة ونصف سنة. أين أصبحت الهيئة الوطنيّة لسلامة الغذاء التي عملنا عليها؟ جرى تعطيلها. لو يَعلم الجميع ماذا نأكل!».