الحماية ليست رقماً. عدد الصغار «المعنّفين» في المدارس الرسمية ليس مهماً، المواكبة التربوية وتوفير الأمان النفسي لهم في البيئة المدرسية على أساس كل حالة على حدة هو المهم، كما تقول مديرة جهاز الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا الخوري. وتعلن الخوري أنّ الجهاز افتتح «غرفة الاستماع» في الطبقة الثانية في الوزارة التي ستستقبل كل من سيطلب المساعدة من التلامذة للوقوف على ما تقتضيه كل حالة.
الوثيقة لا تمسّ موقع المعلم والإدارة المدرسية(بلال جاويش)

أما الوثيقة التي أطلقتها وزارة التربية، أمس، لتطوير سياسة حماية التلميذ، فهي مجرد إعلان نية عبر الوقاية والاستجابة. وهي بمثابة خطوة أولى إلى الأمام في مسار تبنته الدولة اللبنانية عام 2016 لضمان تعلم التلامذة في بيئة آمنة خالية من العنف أياً كان مصدره. الوثيقة أُعدت بالشراكة مع وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والعدل، وبدعم من منظمة «اليونيسف» وبالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء، والمدرسة اللبنانية للتدريب الاجتماعي في جامعة القديس يوسف.
ففي مسح أجرته «اليونيسف» في عام 2016 على عينة من 7000 طفل لبناني وسوري وفلسطيني بشأن العنف بكل أشكاله (الجسدي والمعنوي واللفظي)، تبين أنّ هناك 57% من الأطفال اللبنانيين يختبرون العنف، و65% من الأطفال السوريين و82% من الأطفال الفلسطينيين. تقول ممثلة مكتب المنظمة في لبنان تانيا شابويزا: «عندما يشعر الأطفال بالأمان ولا يواجهون تهديداً بالعنف، تزيد قدراتهم على التركيز والتعلم بشكل أفضل والنمو، وفي نهاية المطاف يتحوّلون إلى أعضاء فاعلين في المجتمع».
غرفة الاستماع في وزارة التربية لمساعدة التلامذة المعنفين


وكان التزام لبنان تحقيق أهداف التنمية المستدامة (2015 ـ 2030) قد أوجب، بحسب وزير التربية مروان حمادة، على الوزارة تبني مفهوم «المدرسة الصديقة للتلميذ»، وهو مسار مبني على مقاربة شاملة لاحتياجات المتعلمين، سواء أكانت ذهنية ومعرفية أم عاطفية واجتماعية.
وإذ تحدث سياسة حماية التلميذ هذه فارقاً لمصلحة المعلمين والمتعلمين، إلاّ أنها تضع جميع الشركاء أمام تحديات، بعضها ناتج من عوامل داخلية تجعل من البيئة المدرسية مسرحاً لممارسات عنفية من القيمين على العملية التربوية على التلامذة، أو قد يكون العنف بين التلامذة أنفسهم مثل التنمر (bullying). والبعض الآخر نابع من عوامل خارجية ليس أقلها العنف المنزلي أو المجتمعي. التحديات جميعها تعوق، بحسب الوثيقة، نمو التلميذ الجسدي، الذهني، العاطفي، والاجتماعي وتؤثر مباشرةً بأدائه المدرسي. لكن الوزير يسارع إلى القول إن «الوثيقة لا تمسّ بأي حال من الأحوال موقع المعلم والإدارة المدرسية أو التقليل من شأنهم»، في حين أنّ الوزارة ستترجم نيتها من خلال التزامات أربعة تتعهد بتوفير الإمكانات لتطبيقها، هي:
الحرص على صحة التلامذة النفسية والجسدية وضمان نموهم في بيئة آمنة.
إرساء بيئة تعتمد على الإنصاف وعدم التمييز، ولا سيما بين المجموعات الأكثر عرضة (التلامذة الذين يعيشون في أسر تشهد تفككاً عائلياً، المعرضون للصدمات والأزمات، الذين يعانون من اضطرابات نفسية، الذين يعيشون مع آباء غير بيولوجيين في المنزل مثل شريك الأم، المنعزلون، التلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة).
مواجهة حالات العنف من خلال رصد آمن ومبكر على يد جهاز تربوي معد وشراكات فاعلة.
الحرص على حماية خصوصية التلميذ وأهله وسرية المعلومات المتعلقة بالحالات المختلفة ضمن البيئة المدرسية.