مكب النفايات العشوائي في المنية هو المصدر الأول للتلوّث في المدينة. لم يعد الأهالي يفتخرون بمنتوجاتهم الزراعية بسبب تلوّث المياه، ولا يتزاحمون لبناء بيوتٍ في جرود المنية بسبب الروائح الكريهة والانبعاثات السامة التي يحملها الهواء من المكب. أستاذ الكيمياء في الجامعة اللبنانية أحمد دهيبي يلفت الى أن «معظم النفايات تُرمى في المكب من دون أي معالجة، وهي في غالبيتها تحتوي على معادن ثقيلة تشرّبتها الأرض مع السنين واختلطت بالمياه الجوفية ما أدى إلى تلوّثها». وأكد «ازدياد نسبة الإصابات بالأمراض السرطانية في المنطقة»، لافتاً الى أن المناطق المحيطة بالمكب، لا سيما في محلّة بحنين، «باتت غير قابلة للعيش فيها بسبب الروائح القاتلة التي تزداد حدتها ليلاً، وتترافق مع انبعاثات غاز الميثان».
المكب الذي يزيد عمره على 15 سنة يقع في عقارٍ خاص يملكه جمال سيف في محلّة عدوة. ويؤكّد مطّلعون أن كلاً من بلديات الضنية وبشري والكورة وزغرتا تتخلص من نفاياتها في هذا المكب مقابل مبالغ مالية ضخمة. وفي عام 2015، إثر أزمة النفايات التي عصفت بالبلاد، أوقفت دوريات أمنية شاحنات محمّلة بالنفايات قادمة من جونية وبيروت لتفريغ حمولتها في عدوة.
وقبل أسبوع، وثّق الناشط المنياوي محمد دهيبي بالصور، عبر صفحة «كتير وحل» التي تُعنى بمراقبة أداء البلديات، دخول شاحنات محمّلة بأطنان من النفايات إلى المكب عبر طرق فرعية. وأوضح دهيبي أن «معظم مستشفيات الشمال تتخلص من نفاياتها من طريق المكب نفسه من دون أي معالجة». وقبل يومين، وثّق دهيبي أيضاً قيام أحد أقرباء صاحب المكب بحرق النفايات، لا سيما الأسلاك الكهربائية والإطارات وبيع ما ينتج منها من أسلاك نحاسية في عقارٍ ملاصق. على الأثر تحرك رئيس اتحاد بلديات المنية عماد مطر مطالباً محافظ الشمال رمزي نهرا باتخاذ التدابير اللازمة لإغلاق «المحرقة».
معظم مستشفيات الشمال تتخلص من نفاياتها في المكب من دون معالجة


بلديات المنطقة لا تزال تعتمد في شكل كبير على المكب، رغم افتتاح اتحاد بلديات المنية معمل فرز للنفايات على أرض مساحتها 12 ألف متر مربع عام 2010. إذ تُنتج بلديات المنية الخمس (المنية، دير عمار، بحنين، مركبتا وبرج اليهودية) ما يُقارب 60 طناً من النفايات يومياً، يتم فرزها في المعمل يدوياً لمصلحة شركة «الجهاد للتجارة والمقاولات» التي التزمت المشروع، في حين تذهب العوادم التي تُقدر بـ35 في المئة من مجمل النفايات إلى المكب في مقابل بدل مادي. تشغيل معمل الفرز الذي لا يزال بحاجة إلى تجهيزات لوجستية، أدى إلى توتر العلاقة بين اتحاد البلديات وسيف الذي كان يستفيد سابقاً من فرز ما يمكن فرزه من النفايات وبيعه. وقد حاول مراراً عدم استقبال شاحنات النفايات الآتية من المنية في محاولة للضغط على البلديات. وأكّد في اتصال مع «الأخبار» أنه يسعى إلى إرسال «إنذارات خطية» لبلديات المنية لإبلاغهم بأنه لا يريد الاستمرار في استقبال النفايات، وسيوقف المكب «بعد ستة أشهر»، رداً على اعتراض الاتحاد عن نقل نفايات الى المكب من خارج المدينة.
في هذا السياق، كشف رئيس اتحاد بلديات المنية عماد مطر «أن الجميع يُدرك حجم الضرر البيئي الذي تتعرض له المنية بسبب المكب العشوائي، لذلك نبحث عن أرضٍ لاستئجارها وتخصيصها لطمر العوادم الصادرة عن معمل الفرز، وبعدها يُمكننا المطالبة بإقفال المكب ومعالجته». إلا أن بعض الناشطين البيئيين يعتبرون أن سيف يحظى بـ«حصانة» من جهات سياسية مستفيدة من وجود المكب في عدوة.