تقدّم المحامي وديع عقل، المستشار القانوني لوزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، بإخبار إلى التفتيش المركزي في 1 حزيران 2018 بشأن «المخالفات الهندسيّة والفنيّة والإدارية والواقعيّة من قبل بلديّة بيروت تسهيلاً لأعمال بناء العقار 3689/ المصيطبة المعروف بإسم إدن باي ريزورت ش.م.ل». تحت عنوان مكافحة الفساد، طلب عقل «إتّخاذ أشدّ العقوبات بحق المخالفين وإحالتهم أمام الهيئة العليا للقضاء الجزائي».هذه الخطوة تلت مؤتمراً صحافياً لـ «إئتلاف الشاطئ اللبناني» بالتعاون مع جمعيّة «نحن»، «الخط الأخضر» و«المفكّرة القانونيّة»، لشرح تفاصيل التجاوزات الأخيرة للمشروع، وأهمّها الضغوطات على مصلحة الهندسة في بلديّة بيروت لإصدار ترخيص بالإشغال للمشروع، على رغم كتاب التحرير الصادر عن مهندسي البلديّة. هذا «الإجراء الروتيني»، بحسب ردّ محافظ بيروت في بيان في 28 أيار 2018، هو في الحقيقة مرحلة أساسيّة في أي ملف ترخيص، حيث يتقدّم صاحب المشروع بطلب رخصة إشغال ــــ وهي ضروريّة لإفراز البناء ــــ فتكشف البلديّة على البناء المنجز للتأكّد من تطابقه مع القوانين (النظام الإرتفاقي، قانون البناء،...). بناءً على ملاحظات كتاب التحرير بعد الكشف، يصدر الترخيص بالإشغال إذا كانت كل الأعمال قانونيّة، وفي حال المخالفة، يُرَدّ الطلب لحين إجراء التعديلات اللازمة وإزالة المخالفة.
وهذا ما حصل تحديدًا في موضوع «إدن باي». فكتاب التحرير الصادر عن مهندسي البلديّة أكّد بصورة رسميّة جميع المخالفات التي فصّلها تقرير نقيب المهندسين جاد تابت. أخيرًا، «شهد شاهدٌ من أهلها»: البلديّة تعترف بعدم قانونية رخصة البناء من أساسها فهي مخالفة تمامًا للنظام الإرتفاقي للمنطقة بعد فصل الوحدة العقاريّة. بمعنى آخر ولتبسيط المسألة، طبّق صاحب المشروع معدّلات الإستثمار على مساحة 20 ألف متر مربّع فيما مساحة العقار الفعليّة 5100 متر مربّع. نتيجة ذلك تعدّت مساحات البناء خمسة أضعاف ما يجيزه نظام المنطقة.
في هذه الحال، كيف تُزال المخالفات؟ أليس بالهدم؟
مفاجئٌ رد بلديّة بيروت على المؤتمر الصحافي الذي أظهر للرأي العام الأساليب الملتوية التي رافقت هذا الملف منذ البداية. إذ اتّهمت الناشطين بالتشويش وتضليل الرأي العام لغايات شخصيّة، فيما لا يخفى على أحد أنّ من لديه مصالح خاصّة لا يدافع عن الشاطئ الرملي ليبقى عمومياً، وإنّما يعمل على خصخصته لمصلحة أفراد معيّنين خلافًا للمصلحة العامّة، فلا يمانع مخالفة القوانين ليعود لاحقًا ويبرّر فعلته.
إنّ محاولة تسطيح المشكلة عبر إعطاء تفاصيل غير دقيقة وغير مقنعة لتضليل المواطنين بتقنيّات الملفّ الشائك، هي محاولة خطيرة لأنّ حالة إدن باي نموذج يضرب هيبة الدولة بكل مؤسّساتها. فكيف يثق المواطن بدولة لا تقوى على فرض إحترام قوانينها على المطوّرين العقاريين؟ لذلك، أصدرت جمعيّة «نحن» بيانًا تردّ فيه على ملاحظات محافظ بيروت، نستعيد منه أبرز النقاط لنضعها أمام الرأي العام:
1ـــ في موضوع الأملاك العامّة البحريّة وحظر البناء: بموجب القرار 144/S الصادر في 26 حزيران 1925، كل شاطئ رملي هو أملاك عامّة بحريّة، والعقارات الأربعة هي «نتيجة فرز لقطعة أرض رمليّة» وفقًا للصحف العقاريّة. وحتّى لو كانت العقارات التي تمّ البناء عليها عقارات خاصّة بموجب ما دوّن على الصحيفة العقاريّة، فإن العقارين 3691 و 3692 كانا مرتفقين بعدم البناء، وبالتالي فإن ضمّهما للعقارين 3689 و3690 ثمّ شطب إشارة عدم البناء غير قانوني لأنّه مخالف للمذكرة الإدارية 1/1991 حول ضم العقارات والوحدة العقارية، التي تنص على أن «ضم عقارين أو أكثر إلى بعضهما لتصبح عقاراً واحداً يستوجب أن تكون العقارات متجانسة ومتلاصقة ولنفس المالك، وأن تكون من نوع شرعي واحد وفي منطقة عقارية واحدة وبنفس حقوق الانتفاع والارتفاق العقاري». وهذه المخالفة موثّقة في تقرير النقيب جاد تابت ولم تردّ البلديّة عليها.
من جهة أخرى، وثّق التقرير أنّ أعمال البناء تعدّت حدود العقارات وامتدّت على الأملاك العامّة البحريّة «حسب الخرائط المبرزة في ملف طالب الرخصة، والتي تتضمّن أعمالاً خارج حدود العقار 3689 ضمن الأملاك العمومية، كردم البحر وإقامة جلول ومنحدرات، تمتدّ على ما يقارب 30 متراً على الأملاك العمومية وعلى امتداد طول العقار، دون الحصول على أي ترخيص خاص واستثنائي، وكأن الشركة تتعامل مع الأملاك العمومية باعتبارها امتداداً لأملاكها الخاصة». وكانت المديرية العامة للنقل البري والبحري وجّهت كتابًا (رقم 1123/6) إلى الشركة في آذار 2017، ينص على «عدم جواز التعدي على الأملاك العمومية المتاخمة للعقار، وإلّا وجب توقيف الأعمال فوراً وإلغاء الموافقة عليها ووضع إشارة على العقار، وملاحقة الشركة جزائياً». ولكن، لا الأعمال أوقفت ولا الشركة لوحقت جزائيًا.
2ـــ في الرخصة الأساسيّة والرخصة التعديليّة: خلافًا لما تعلنه دائرة العلاقات في البلديّة، فإنّ البناء ليس مطابقًا أبدًا لقوانين البناء ومراسيمه التطبيقيّة، وقد أكّد ذلك كتاب التحرير الصادر عن مصلحة الهندسة في بلديّة بيروت نفسها، فلا الطابق السفلي مطابق ولا إنشاءات السطح الأخير والإرتفاع الأقصى مطابق، وأهمّ من ذلك، يؤكّد هذا الكتاب أن رخصة البناء من أساسها بنيت على باطل فهي «صدرت بموجب الوحدة العقاريّة الغير قابلة للتجزئة بين العقارين 3689 و3687 المصيطبة، وبناءً عليه تمّ في حينه إحتساب الإستثمارين العام والسطحي المسموح بهما على أساس هذه الوحدة العقاريّة، وإنّ فصل العقارين عن بعضهما يتوجّب له إعادة احتساب الإستثمارين السطحي والعام المسموح بهما وفقًا لنظام المنطقة الإرتفاقية»، وهذا لم يحدث. وبذلك، يكون البناء «تعدّى أكثر من ضعفي مساحات البناء القانونية المسموحة في المنطقة، خلافاً لشروط التنظيم المدني والإدارة السليمة للأراضي الوطنية»، والحل الوحيد لإزالة هذه المخالفة الهدم. ولم تنف البلدية في بيانها هذه الوقائع.
3ـــ لم تحترم الرخصة مرسوم الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية رقم 2366/2009 الذي يشكّل الإطار التوجيهي العام للتنظيم المدني ولاستعمالات الأراضي في لبنان، والذي يُلزم الوزارات والإدارات وكافّة المؤسّسات العامّة باعتماد توجيهات هذه الخطّة (المادّة الثانية). فقد «صنّفت الخطّة كلاً من الواجهة البحرية في عين المريسة وصخرة الروشة وخليجها الصغير وشاطئ الرملة البيضاء، مواقع مميزة في بيروت تستوجب حماية خصائصها الطبيعية من المشاريع العقارية والإنشائية التي قد تشوه معالمها. وتالياً إن عدم مراعاة الرخصة لهذه الخصائص يستوجب إبطالها».
4ـــ في الردّ على تقرير نقيب المهندسين: أعلنت البلديّة أنّها أوضحت تفصيليّا النقاط التي وثّقها نقيب المهندسين في تقريره إلا أنّها أغفلت الرد أو نفي مخالفتين بارزتين كفيلتين وحدهما بإبطال الترخيص وهدم المساحات المبنيّة، وهما إلغاء الوحدة العقاريّة وما نتج عنها (وقد أكّد كتاب التحرير ذلك) وعدم قانونية رخصة البناء لاستنادها إلى شقلات خاطئة. ونتج عن تزوير الشقلات بناء مساحات إضافيّة غير قانونيّة «توازي مساحة أكثر من خمسة طوابق علويّة».
5ـــ طلب الترخيص بالإشغال: يختلف كتابا التحرير عن بعضهما شكلًا ومضمونًا. فالأوّل هو إنذار يشير إلى مخالفات في الإرتفاع عن رخصة البناء الممنوحة تحت طائلة توقيف الورشة، أمّا الثاني فهو طلب لا يذكر أيّة مخالفة وإنمّا يوصف أعمال باطون وورقة وتبليط ولا يحدّد الإجراءات الجزائيّة عقب ذلك. وجه الشبه الوحيد بين الكتابين هو في المستندات المطلوبة. أمّا المعنى والبعد القانوني للكتابين فمختلفان تمامًا. تعلن البلديّة أنّه «لن يتم توقيع الترخيص بالإشغال قبل تأكد المصلحة الفنية من مطابقته للأنظمة والقوانين المرعية الإجراء»، وقد شهد شاهدٌ من أهلها: البناء مخالف للنظام الإرتفاقي ولقانون البناء ومراسيمه التطبيقية وللمذكرة الإدارية 1/1991 حول ضم العقارات والوحدة العقارية، وهو مخالف أيضًا لمرسوم الخطة الشاملة (2366/2009) ومرسوم إشغال الأملاك العامّة البحريّة (4810/1966) ولقانون البيئة (444/2002) ومرسوم تقييم الأثر البيئي (8633/2012).

*مهندسة معمارية وناشطة في جمعية «نحن»