لا يزال ملف هدم المباني والعقارات التراثية في لبنان غائباً عن النقاش ولا يلقى الاهتمام الكافي، رغم ارتفاع عدد المباني التاريخية التي تمّ هدمها حتى الآن منذ مطلع العام الجاري. يوم أمس، عاد النقاش «العقيم» حول الملف مجدداً إلى الواجهة عن طريق وزراة الثقافة التي أصدرت بياناً أوضحت فيه ملابسات عملية هدم طاولت هذه المرة عقارين في منطقة البترون، بخلاف المرات السابقة، حيث كانت عمليات الهدم تطال عقارات في مناطق تقع في نطاق العاصمة. في بيانها أمس، حاولت المديرية العامة للآثار رفع المسؤولية التي تقع على عاتقها في إطار حماية الإرث العمراني والتاريخي، بعدما أقدم مالك العقارين 1350 و1351 في منطقة البترون العقارية، في 28 أيار/مايو الماضي، على تدمير المنشآت الأثرية التي «تعود إلى الفترة الفينيقية». وهي المنشآت المُكتشفة حديثاً في الحفريات الأثرية التي أجرتها المديرية العامة في محيط العقارين المذكورين.
وبحسب البيان، فإن المالك هدم المنشآت الأثرية المتّصلة عقارياً بالمبنيَين القديمين بهدف إزالتها من الموقع ليتمكّن من البناء عليه، «معتمداً سوء النية في استعمال الرخصة وشروطها الحائز عليها من المديرية العامة للآثار»، ومخالفاً البند الأول منها والمتضمن «التبليغ المسبق إلى المديرية العامة للآثار في حال القيام بأي أعمال حفر».
في دفاعها، قالت المديرية العامة للآثار إنها «حاولت توقيف أعمال الهدم والتدمير، فأرسلت فريقاً إلى الموقع لتوقيف العُمال عن الاستمرار في أعمال الهدم هذه»، التي كانت قد انتهت أصلاً بحسب ما أفادت مصادر في المديرية لـ«الأخبار». إلا أن العمّال «تعاملوا مع الفريق باستهتار، مدّعين أنهم ملتزمون فقط تنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة عن المهندس المسؤول»، وفق ما جاء في البيان.
وعليه، تقدّمت وزارة الثقافة «بشكوى لدى القضاء المختص واتخذت صفة الادّعاء الشخصي على كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو محرضاً أو متدخلاً بجرم الاعتداء على موقع أثري وجرفه وتدميره عن سابق تصور وتصميم». من دون أن تحدد في بيانها ما إذا كانت قد تقدّمت بشكوى فعلية ضدّ مالك العقارين المذكورين، أم أن الشكوى اتخذت طابع الإخبار الرسمي الذي يُصار إلى تطبيقه في عمليات هدم لاحقة.

الخوري يبرّر
بيان المديرية اتّسم بعدم الوضوح في نقاط عدة أخرى، أبرزها وجود اعتراف صريح بإعطاء المالك ترخيصاً يجيز له عملياً هدمهما. وهنا يصحّ السؤال: إذا كانت المديرية على علم مسبق بأن المساحة العقارية تحتوي على منشآت أثرية تعود إلى الفترة الفينيقية، لماذا أجازت للمالك الاستحصال على رخصة لاستكمال أعمال البناء أو الجرف؟
في البداية، حاولت «الأخبار» الاتصال بوزير الثقافة، غطاس خوري، لاستيضاح الأمر. إلا أن الأخير رفض الإدلاء بأي تصريح. أما المدير العام للآثار، سركيس الخوري، فأشار إلى أن أعمال الحفر التي كانت تجريها مديرية الآثار في محيط العقارين، «لم تفضِ في البداية إلى العثور على أي منشأة أثرية». ولهذا السبب «لم تجد المديرية، حينذاك، مانعاً» في البت بإعطاء الترخيص للمالك. الخوري برر هفوة المديرية بشروط الترخيص المرفقة، التي تقضي أولاً بالتبليغ المُسبق بأي أعمال حفر، والتي تجيز للمالك «البناء فقط وليس استكمال الحفر». وهنا يبدو لازماً البحث في أسباب استمرار البتّ في إعطاء التراخيص العشوائية، وسط غياب قانون يحمي الأبنية التراثية ــ حتى اليوم ــ من الهدم.