افتتح فلاحة دكانه عام 1948 بإيجار سنوي قيمته 150 ليرة سنوياً. منذذاك، لم تطرأ على المكان تغييرات جذرية، باستثناء استبدال السطح الترابي بآخر اسمنتي عام 1951، واستبدال الباب الخشبي بآخر حديدي. حرص فلاحة قبل رحيله على تسليم مهنته لإبنيه كمال وخالد اللذين يعتبران مهنتهما «حفظاً لإرث الوالد ولتراث بعلبك أكثر منها مورد رزق».
المحل، على قِدمه يتميز بالتنظيم والدقة. في المساحة الضيقة يتوزع أكثر من 2000 صنف من الأعشاب والبهارات والبخور والزيوت والحبوب وبعض المستلزمات الزراعية. أعشاب جافة وأخرى رطبة وغضّة، ومساحيق خشنة وناعمة، وأسماء غريبة كالعشرق والسوذاب وعشبة الألف ورقة والهدّال ونكد الليل ونكد النهار. يؤكد كمال فلاحه «أننا لا نركّب أدوية ومستحضرات. هذا ما تعلمناه من والدنا، حتى لا نتسبب بأذى لأحد. حتى أن البخور لا نتعامل به كثيراً لئلا ينتهي في أيدي المشعوذين». يقتصر الأمر على بيع أصناف مختلفة من الزيوت والاعشاب كالسوذاب للجهاز التنفسي، والسلمنكي للإباضة لدى النساء، وورق السدر للشعر، وبزر القطونة لعلاج الظهر، والقبار وبزرة تين الفيل والشيح... وغيرها، مع «تحذيرات للزبائن من سمّية بعض الاعشاب، وعدم الإفراط في تناول بعضها الآخر كالراوند الصيني وحب العافية اللذين يتسببان بإسهال حاد».
السوذاب للجهاز التنفسي والسلمنكي للإباضة لدى النساء وبزر القطونة لعلاج الظهر
تطور الطب لم يقض على هذه المهنة التي عادت في السنوات الأخيرة لتشهد إقبالاً على أعشاب محددة، نتيجة الوصفات التي تطرح على الإنترنت ويسعى الزبائن الى تطبيقها.
بضاعة «الحموي»، منذ افتتاحه، تأتي من مختلف المحافظات السورية، كان الحاج أحمد يأتي بها الى حمص «ومن هناك بالقطار الى محطة بعلبك، لتنقل على الطنابير الى منزله في المدينة ومن ثم الى المحل بكميات محدودة». بعد توقف القطار، باتت المهمة تعتمد على «البواسط» بين بعلبك والشام وحمص. يشير فلاحة إلى أن كل منطقة في سوريا مشهورة بإنتاج نوع معين من الأعشاب، فالزعرور من إدلب، وزيت الزيتون من عفرين، والبابونج والمليسة والزهورات والورد الجوري الشامي من الغوطة، والغار والصابون من حلب، والكمون من حمص. أما في لبنان فلا وجود لغالبية هذه الأنواع، وإن وجدت فكمياتها محدودة، «هنا لا أحد يزرع حبة البركة والزعفران والكمون والمليسة والعشرق والعيزقان، فيما تهتم الدولة السورية بتنظيم القطاع الزراعي ورزنامته ومواعيده وكمياته ومناطق زراعته». الأزمة السورية التي عصفت بسوريا كان لها، بالتأكيد، تأثير كبير على زراعة هذه الأصناف ما انعكس رفعاً للأسعار، لكن الأمور بدأت أخيراً بالعودة إلى طبيعتها».