57% من الأسر اللبنانية في طرابلس تعاني من «الحرمان الشديد»، من ضمنها 11% تعاني من «الحرمان الشديد جدًّا». فيما 20% من الأسر لا معيل لها، و32% منها يعيل فردٌ واحد فيها خمسة أشخاص.هذه الأرقام صدرت في دراسة ميدانيّة بعنوان «أحوال المعيشة وروح المواطنية في طرابلس» أجرتها الباحثة الدكتورة سهير الغالي، شملت دراسة الأحوال المعيشية لـ 5536 عائلة وقياس مستوى المواطنية لدى أرباب الأسر.
لقياس الأحوال المعيشية تم الاعتماد على مؤشرات عدة تتعلّق بالسكن والتعليم والصحة والاقتصاد، من بينها مثلاً حصة الفرد من مساحة السكن، المستوى التعليمي، ومتوسط دخل الفرد اليومي... وقد حلّ الحرمان الصحي في مقدّم ما يعاني منه الطرابلسيون، إذ بلغت نسبة «الحرمان الشديد جدّاً» في هذا المجال 52%، يتبعه الحرمان من التعليم، ثم الحرمان الاقتصادي. وفي الأسر التي يعاني أحد أفرادها من مرض، احتلت الأمراض المزمنة النسبة الأكبر بمعدّل 35%. وتلقي الأمراض المزمنة بأعباء ثقيلة على عائلات المصابين بسبب الحاجة الدائمة إلى الدواء والرعاية الصحية.
البطالة الإرادية واللاإرادية وصلت في عاصمة الشمال إلى 22% وهي نسبة مرتفعة جدّاً. ولاحظت الغالي أثناء الدراسة أنّ الفقر في حالة تمدّد وليس محصوراً بمنطقة واحدة فقط، فيما كان لمنطقة السكن تأثيرٌ كبيرٌ على بقية النتائج. وأشارت الى أنّها صادفت الكثير من المنازل التي لا تراعي ظروف السكن الطبيعيّة كوجود عائلتين تقطنان بيتاً واحداً أو بيوت خالية من أي خصوصيّة. وفي ما يتعلق بهرم الأعمار، بيّنت الدراسة أن نسبة الفتوّة (من هم دون الثلاثين) وصلت إلى 52%، فيما بلغت نسبة المسنين 3,3%، أي نحو نصف النسبة المسجّلة على المستوى الوطني (6%)، مشيرة الى أنه لا يمكن إغفال دور الحرمان في الميدان الصحي في تراجع نسبة المسنّين.
الدراسة شملت أيضاً قياس مستوى المواطنية لدى أرباب الأسر في طرابلس، وهي مقاربة تستخدم للمرة الأولى في دراسة في لبنان. ولقياس نسبة المواطنة، تمّ الاعتماد على معايير عدّة من «القياس الدولي للمواطنة»، منها مؤشرات مؤاتية كالاندفاع الوطني، الحس المدني، المشاركة بالحياة السياسية والاجتماعية... ومؤشرات «غير مؤاتية»، كالولاء للزعيم أو للطائفة.
نسبة المسنين نصف النسبة المسجّلة على المستوى الوطني بسبب الحرمان الصحي


ومن النتائج التي توصّلت إليها الدراسة أنّه كلّما تدنّى مستوى المعيشة، تتدنّى روح المواطنية، وأنّ الحرمان من الحاجات الأساسيّة وانخفاض الخدمات يولّد لدى المواطنين انتماءاتٍ أخرى. ففيما أشار نصف أرباب الأسر الى أنّهم يفكّرون في الهجرة، قال 40% منهم إنهم يرغبون بذلك هرباً من الواقع المعيشي. كذلك أعرب حوالي نصف أرباب الأسر عن رغبتهم في الحصول على جنسيّة أخرى، نحو 50% منهم أرباب أسر لا يعملون.
في الاندفاع الوطني تبيّن أنّ 47٫5% من أرباب الأسر يدافعون فوراً عن الوطن في حال نشأت حرب على لبنان، 60% منهم من أصحاب الدخل الذي يتراوح بين 1200000 و1500000 ليرة، فيما انخفضت هذه النسبة إلى 29% لمن تخطّى دخلهم الـ 3500000 ليرة. وكانت روح المواطنيّة متوسّطةً لدى 71% من أرباب الأسر. ومن الأرقام «المخيفة» التي أشارت إليها الدراسة أنّ 79,2% من أرباب الأسر لديهم ضعف شديد في المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية التي تشمل المشاركات النقابيّة والمطلبيّة والانتماء إلى جمعيّات، وأنّ 30% فقط من أرباب الأسر سبق أن شاركوا في عمل تطوّعي.
الولاء للطائفة لدى 32% من أرباب الأسر كان مرتفعاً، وقال 50% إن لا ولاء سياسياً لديهم، فيما عزا 64% ممن يؤيدون زعيماً ذلك الى أن الزعيم ساعدهم في مرحلة سابقة.
قدّمت الغالي هذه الدراسة كأطروحة في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ضمن اختصاصها في الخدمة الاجتماعية والتنمية المحليّة واختارتها «مدفوعةً بنسبة الفقر الكبيرة الموجودة في طرابلس، خاصّةً مع الاقتتالات الداخلية الدائمة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة». وتعود معظم أرقام الدراسة إلى 2010، سنة بدء الدراسة، إلّا أنّها لا تزال قابلة للاعتماد إذ لم تمرّ عليها عشر سنوات، علماً أنها استغرقت سبع سنوات في التدقيق والتأكد من المعلومات وتحليلها، وطبعت مؤخّراً في كتاب يحمل الاسم نفسه. تشدّد الغالي على أن الدراسة تعتبر الأولى من نوعها في لبنان من حيث الربط بين المعيشة والمواطنية، وتأمل أن تُبنى عليها استراتيجيات وخطط مستقبليّة تصبّ في صالح المدينة.