فضّت الهيئة العليا للإغاثة، الاثنين الماضي، المناقصة العمومية التي أعلنت عنها «لتلزيم تنفيذ المرحلة الأولى الفورية من مشروع معالجة انبعاث روائح كريهة من بحيرة صيدا تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء رقم 69 الصادر بتاريخ 26 نيسان الماضي». لهذه الغاية، وقع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير المال، في 21 ايار الفائت، على نقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء لصالح الهيئة بقيمة تسعة مليارات و45 مليون ليرة «مساعدة مالية لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع معالجة بحيرة صيدا». بحسب مصدر متابع، تقدمت خمس شركات إلى المناقصة التي رست على «الشركة العامة للبناء والمقاولات» (جينيكو) التي يملكها شفيق الحريري (عمّ الرئيس سعد الحريري). علماً أن الشركة تعمل أساساً في البناء!
وتستند تقنية إزالة الروائح الكريهة التي تخنق المدينة منذ أشهر إلى تقرير أعدّه الخبير البيئي ناجي قديح في شباط الماضي بطلب من بلدية صيدا. إذ وجد بأن مصدر الروائح ليس البحيرة فقط، بل جبل العوادم الذي ارتفع في الباحة الخلفية للمعمل إضافة إلى تفريغ الشاحنات عند مدخل المعمل وبسبب خلل في خزان التهوئة والتسبيخ الهوائي. البحيرة تشكل أيضاً مصدراً رئيسياً للروائح. فالحوض المائي الذي نتج عن إنشاء الحاجز لفصل البحر عن جبل النفايات السابق تحول إلى بركة للمياة الآسنة من مجرور نهر البرغوث الذي يحمل الصرف الصحي لعدد من بلدات قضاء صيدا، إضافة إلى بقايا الدباغات المجاورة وأطنان من النفايات غير المفرزة والطبية وبقايا المسالخ والحيوانات التي تلقى في البحيرة. وأوصى قديح لتخفيف مصادر الروائح من البحيرة بـ «ردمها بردميات نظيفة. وإلى حين استكمال ردمها، يمكن العمل على تخفيف الروائح المنبعثة بإضافة مواد كيميائية تؤكسد وتفكك المواد ذات الرائحة الكريهة وتقوم بتعديل رائحتها».
في اتصال مع «الأخبار»، تمنى قديح اعتماد التقنية التي أوصى بها لأن «ما عداها تجميل غير مجد لشكل بشع».
إذاً، الدولة ستدفع ما يزيد على 9 مليارات ليرة من خزينة الدولة كمعالجة مفترضة لجرائم بيئية قام بها أكثر من طرف، رغم أن للبلدية نقطة مراقبة عند المدخل المؤدي الى المعمل! علماً أن تقرير قديح، ومن بعده تقرير حديث لوزارة البيئة، أظهرا خللاً في أداء الشركة المشغلة «أي بي سي» تسبّب في انبعاث الروائح الكريهة والغازات الضارة والسامة من المعمل وتراكم النفايات وانتشار الجراثيم والحشرات الضارة في غياب أي قياس لتلوث الهواء والتربة والمياه والنقص في الفلاتر وإجراءات الحماية الشخصية للعمال والعمل في الباحات المكشوفة وغياب المعالجات الضرورية للإنبعاثات الغازية ولعصارة النفايات.رغم ذلك، لم يحدّد تقرير «البيئة» المسؤوليات. حتى إن وزير البيئة طارق الخطيب، في الزيارتين اللتين أجراهما في صيدا، لم يتفقد المعمل بل اكتفى بالإجتماع بالمدير العام للشركة نبيل زنتوت ومحافظ الجنوب ورئيس بلدية صيدا والقوى الأمنية.
رغم الخلل في أداء الشركة المشغلة لم تُستدع الى التحقيق ولو كشاهد


إثر دخول المعتصمين إلى حرم المعمل (29 حزيران)، قام المدعي العام المالي علي إبراهيم بجولة في أرجاء المعمل وتوعد بإجراء تحقيق لتحديد المسؤوليات. لكن، لم تسجل أي خطوة لاحقة. إذ لم تطلب «أي بي سي» للتحقيق ولو كشاهد، رغم أنها تقبض من المال العام ما بين 90 الى 95 دولاراً على طن النفايات الواحد من بلديات جزين وبيروت وصيدا. أكثر من ذلك، تحوّلت المشتبه بها إلى مدعية. إذ تبلغت هيئة متابعة قضايا البيئة أن الشركة تقدّمت بشكوى ضدها ممثلة بالناشطة سهاد عفارة بتهمة «اقتحام حرمة المعمل»، وطلبت النائب أسامة سعد ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي لأخذ إفادتهما كشاهدين.
الهيئة استمهلت التعليق على الشكوى للإطلاع على مضمونها. حتى ذلك الحين، عادت الحركة في المعمل إلى طبيعتها باستقبال نفايات جزين (حوالي 30 طناً يومياً) ونفايات بيروت (بين 250 و300 طن)... وكأن شيئاً لم يكن!