30 في المئة من نزلاء دور الرعاية بالعجزة «منسيّون ولا يزورهم أحد». رغم ذلك، «لا نزال في مجتمع يحترم كبار السن»، ويتعرّض هؤلاء لإساءات أقلّ من الخارج، بحسب ما خلصت اليه دراسة تحت عنوان «الإساءة لكبار السنّ في لبنان؛ دعوة لإيجاد برامج وسياسات للمعالجة». والإساءات التي يتعرض لها المسنّون أنواع: من الإيذاء الجسدي والابتزاز العاطفي إلى الاعتداء الجنسي وانتهاك الحقوق. أمّا أكثر ما يتعرّضون له فهو الإساءة الماليّة التي تشمل التصرّف بأموالهم أو التلاعب بها بشكل غير قانوني. علماً أن هؤلاء «ضحايا صامتون» وهم عادةً «ليسوا على دراية بكيفية طلب المساعدة في حالات الإساءة».الدراسة التي أعدّها صندوق الأمم المتحدة للسكان ووزارة الشؤون الاجتماعية و«مركز الدراسات لكبار السن» عرّفت «الإساءة لكبار السن» بأنها الأفعال التي تلحق الضرر بهم أو تلك التي تنتقص من كرامتهم ورفاهيتهم وصحتهم». ورصدت سلوكيات عدة مسيئة لكبار السن، منها مثلاً: لومهم على عجزهم، معاملتهم كالأطفال وعدم السماح لهم بالقيام بالأشياء بأنفسهم، إهمال حاجاتهم العاطفيّة، منعهم من التعبير عن آرائهم، وعدم مشاركتهم في القرارات التي تتعلّق بهم، والإكثار من الممارسات الطبيّة الضارّة أو المهينة للمسنّ لتسهيل الرعاية به، مثل تقييد الأيدي أو استعمال الحبوب المنوّمة. ولفتت إلى أنّه ما من مؤسسات في لبنان تعنى خصّيصاً بالمسنّين الذين تعرّضوا للإساءة، كما أنّ المناهج التربوية التي تشير إلى المسنّين، يغيب عنها مفهوم الإساءة إليهم.
ومن العوامل التي تلعب دوراً في تعرّض كبار السنّ للإساءة: عجزهم البدني، غياب من يشرف على أمورهم، اعتمادهم المالي على الآخرين، إضافة إلى تنصّل الأهل أحياناً من واجباتهم تجاههم وإلقائها على عاتق دور الرعاية. فيما تنوّعت ردود فعلهم إزاء تعرّضهم للإساءة: ففي دور الرعاية مثلاً برّر العديد منهم عدم زيارة عائلاتهم لهم بأعذار، وكان أكثر ما عانوا منه جراء الإساءة هو الخوف والاستياء والكآبة. العدوانيّة والامتناع عن الكلام أو الطعام كانت أيضاً من ردود فعلهم، ووصلت هذه التصرّفات إلى حدّ إحداث الفوضى أو تلويث الثياب. وتبيّن أن 40% من كبار السن المقيمين في دور للرعاية لهم زوار منتظمون بمعدل مرة أسبوعيّاً، وأن 30% منهم لهم زوار بشكل غير منتظم، فيما 30% منسيون لا يزورهم أحد. وترتفع النسبة الأخيرة كلما زادت فترة بقاء كبير السن في دار الرعاية.
أكثر أنواع الاساءة للمسنين التصرّف بأموالهم أو التلاعب بها

ويواجه هؤلاء في حياتهم «الجديدة» تحديات عدّة تتمثّل بصعوبة تقبّلهم بأن عليهم الاعتماد على غيرهم، أو صعوبة التأقلم مع تغيّراتهم الجسديّة. وتدفع بهم هذه الصعوبات في أحيان كثيرة إلى العزلة والوحدة. صعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحيّة الأوليّة لا تسهّل الوضع، وهنا يواجه المسنّون عقبة غياب التغطية الصحيّة وعقبة مباني المؤسسات التي تعيق تقبّلهم لتغيّراتهم الجسديّة (أدراج كثيرة مع غياب المصاعد مثلاً) وهذا أمر يشمل المدينة ككلّ التي تفتقر إلى كونها «صديقةً للمسنّ». التحدّيات تواجه أيضاً مقدّمي الرعاية الذين يعانون من الإرهاق والاكتئاب جرّاء تدهور حالة كبير السن مع مرور الزمن.
لم تقتصر الإساءة التي لحظتها الدراسة عند وجود كبير السنّ على قيد الحياة، إنّما تخطّتها أحياناً إلى إهمال تسلّم جثّته بعد الموت «لم تأتِ الأسرة لتسلّم الجثّة، مما اضطرنا لدفن مسن ينتمي لديانة معينة في مقبرة تابعة لطائفة مختلفة» يقول أحد مقدّمي الرعاية. فيما أبلغ مسنّون سوريّون شملتهم الدراسة عن تعرّضهم لإساءات تتعلّق بسوء التغذية وعدم قدرتهم على الحصول على المساعدات.
خرجت الدراسة بتوصيات على مختلف الأصعدة: منها القانوني كشمل كبار السن في قوانين العنف الأسري، والاجتماعي كاستحداث مراكز للمساعدة عبر الهاتف Help lines، اعتماد جودة في الخدمات المقدّمة إلى كبار السن في مؤسسات الرعاية.
الدراسة التي أعلنت أول من أمس في بيروت، أعدّها الباحثون جنان الأسطه ونبيل قرنفل وعبلة محيو السباعي، واقتصرت على سكان بيروت من لبنانيين ونازحين سوريين، معتمدةً في منهجيّتها على حلقات مشاركة focus groups تطرح فيها الأسئلة، واعتمد الباحثون نمط الدراسة النوعيّة لغياب أية دراسة سابقة في لبنان عن الموضوع يمكن أن تشكّل أساساً لبحثهم.