مطلع العام الجاري، أصدرت الهيئة العليا للتأديب قراراً بعزل موظف في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي اختلس بين 400 و500 مليون ليرة لبنانية. حينها، لفتت الهيئة إلى أن ما قررته هو العقوبة القصوى للموظف: الطرد من دون تعويضات. علماً بأنها، ضمناً، عوّضته بنصف مليار ليرة (!)، في نظام أقل ما يقال فيه إنه يشجّع موظفي إدارات الدولة على النهب والإختلاس... إلا إذا أصرّت هذه الدولة، ومؤسساتها، على استرداد حقوقها.أخيراً، حسمت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي أمرها وقرّرت، بعد تعيين مديرها العام الجديد وسيم ضاهر، فتح الملف مجدداً. فتقدّمت بشكوى ضد موظفها المطرود وتمكنت من الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة.
مصادر المؤسسة أكّدت لـ«الأخبار» نيتها استرجاع حقوقها المهدورة، لكنها أقرّت بأن ذلك لن يكون سهلاً بسبب تضارب الصلاحيات وبيروقراطية القوانين والغطاء السياسي الذي يتمتع به بعض المختلسين. وعلى خط مواز، فتحت المؤسسة ملف التعدّيات على شبكات المياه. بدءاً من الشهر الماضي، نشرت 32 فرقة توزعت على البلدات الجنوبية الواقعة في نطاقها لتفعيل عمليات الجباية وكشف التعديات. وقد ظهرت بعد الكشف أرقام مهولة: إذ أن نحو 84 الف مشترك من أصل 150 ألفاً لا يدفعون الجباية السنوية فيما رُصد أكثر من 250 ألف تعدّ على الشبكات من خلال تقطيع المجاري وتحويل المياه إلى وجهات أخرى. الكشف اظهر أيضاً أن حوالي 84 الف مشترك من أصل 150 الفاً لا يدفعون الجباية السنوية. واللافت أن بين المعتدين والممتنعين عن الدفع نواباً حاليين وسابقين ووزراء سابقين وضباطاً في أجهزة أمنية. وقد طالت محاضر الضبط هؤلاء، فيما تم الاتفاق مع رؤساء البلديات على التنسيق مع المواطنين لرفع التعديات ودفع المتأخرات قبل أن تبدأ فرق المؤسسة في قطع المياه عن المتخلفين.
«استفاقة» المؤسسة بعد عقود من السبات طالت أيضاً اعتماد مقاربة جديدة في العمل مع الجمعيات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية. فبعدما كانت هذه المنظمات تعمل وفق شروطها التي تتضمّن مواقع المشاريع وكلفتها، تم الاتفاق على أن تضع المؤسسة جدولاً بالمشاريع الملحة وفق الأولويات التي تراها المؤسسة لا العكس. وفي هذا السياق، تم الاتفاق مع ثلاث شركات استشارية («خطيب وعلمي»، «دار الهندسة» وBTD) لإعادة صياغة استراتيجية استعمال المياه، ووضع خرائط تفصيلية للانتاج وخطوط الدفع والتخزين ضمن محطات الضخ والتكرير في بنت جبيل، حاصبيا، مرجعيون، صيدا، جزين، الزهراني، النبطية وصور.
وكان لافتاً أن المؤسسة تفتقد الى أي «داتا» تتعلّق بأعداد الاشتراكات وغيرها من الاحصاءات، ما دفعها للجوء الى الاحصاء المركزي وشركة كهرباء لبنان وفق القاعدة التي تقول «أينما حلّ اشتراك كهرباء هناك اشتراك مياه». وعلى هذا الأساس فُعّلت الجباية، فوصل عدد الاشتراكات المتأخرة المسدّدة في تموز الماضي الى 3914 اشتراكاً في مقابل 2190 اشتراكاً عن مجمل عام 2017. كما وصل عدد المشتركين الجدد في الشهر الماضي الى 3677 وهو عشرة أضعاف المشتركين الجدد عام 2017 (319 مشتركاً فقط).