اعتيادية، صارت التبريرات التي تسوقها الوزارات لأصحاب المصانع المتسببة بتلويث الليطاني. وفي حين يواظب جهاز أمن الدولة على إتلاف عشرات الدونمات من المزروعات في سهول البقاع لأنها مرويّة من مياه الليطاني الملوّثة، لا يسجل أي إجراء مماثل بحق المصانع المسؤولة عن التلويث، في ظل معطيات عن ضغوط تمارسها مرجعيات كبرى لتغطية المصانع المخالفة.في خطوة غير مسبوقة، تقدمت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضد مصانع ومؤسسات في محافظة البقاع بتهمة تلويث النهر استناداً إلى قانون حماية البيئة.
إخبار مصلحة الليطاني للنيابة العامة (أنقر الصورة لتكبيرها)

استند الإخبار الى مسح أجرته وزارة البيئة لأنشطة المصانع الملوّثة لليطاني. 227 مصنعاً ومؤسسة تمتد على طول المجرى في محافظة البقاع بينها مصاهر للألومينيوم ومسالخ ومجابل باطون ومناشير حجر ومصانع كرتون وبلاستيك ودهانات ومستحضرات تجميل وألبان وأجبان وكحول وكبيس ومخللات ومواد تنظيف.
مسح وزارة البيئة (أنقر الصورة لتكبيرها)

وطلبت المصلحة إحالة «المخبر عنهم وكل من يظهره التحقيق فاعلا أو شريكا أو متدخلا» إلى المراجع القضائية المختصة بجرائم تلويث البيئة المنصوص عنها في قانون المياه (77/1988)، وفي قانون حماية البيئة (444/2002) وفي قانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارّة والمواد الخطرة (64/1988)، وفي المادتين 747 و748 من قانون العقوبات، «بالإضافة الى التعدي على الأملاك العامة وهدر الأموال العامة». وطلبت اتخاذ «الإجراءات الفورية الرامية الى إلزام المخبر عنهم بإزالة التعديات فوراً، وختم تلك المنشآت بالشمع الأحمر». وفي ما يتعلق بالهدر، لفت الإخبار الى أن «الإعتمادات المرصودة في القانون 63، ستكلف الخزينة مبلغ 1100 مليار ليرة. لكنها قد تهدر نتيجة استمرار التعديات البيئية من قبل بعض البلديات والمؤسسات الصناعية». وأقر الإخبار المقدم بشخص رئيس مجلس إدارة المصلحة سامي علوية بأن «المؤسسات العامة ومنها المصلحة، لم تقم بواجباتها. فيما كانت وزارة البيئة أجرت مسحاً للمؤسسات الملوثة وبينت درجة المخاطر، وبدلاً من قيام هؤلاء برفع التعدي عمدوا إلى الاستفادة من قرارات مهل لتسوية أوضاعهم. وكلما انتهت كانت تصدر قرارات مهل جديدة خلافاً لأحكام القانون، وخلافاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية». ولما كانت المصانع تشكل السبب الرئيس لتلويث الليطاني، وجهت المصلحة كتاباً إلى وزير الصناعة حسين الحاج حسن تسائله حول «مخالفات بعض المصانع التي كان قد منحها مهلاً لتسوية أوضاعها، ولماذا يعطيها مهلاً متكررة؟».
وتتضمّن اللائحة أسماء مصانع كبرى كانت قد تعهدت باستحداث محطات تكرير لنفاياتها بدعم من الإتحاد الأوروبي وبقروض ميسرة من مصرف لبنان. واللافت أن من بين المؤسسات الواردة في الإخبار «شركة نجم للرخام والمصبوبات»، ومقرها في تعنايل. إذ أفادت معلومات بأن النائب عن تيار المستقبل نزيه نجم (يشغل منذ نهاية عام 2016 منصب رئيس نقابة أصحاب مصانع الرخام والغرانيت ومصبوبات الإسمنت) شريك في ملكيتها. مسح وزارة البيئة لفت الى أن المعمل المرخص من وزارة الصناعة يعالج نفاياته السائلة في حفر تسريب، في حين أكدت مصادر في المصلحة بأن «استخدام المعمل لحفر التسريب ليس الحل الأنسب. ومع ذلك، فإنه بشكل مؤكد يحوّل نفاياته إلى مجرى النهر».
نجم أوضح في اتصال مع «الأخبار» بأن المعمل يملكه شقيقه سليم الذي «بحسب معلوماتي لديه محطة تكرير لنفاياته. وهو يستخدم المياه نفسها في منزله ولا يرميها». وقال نجم الذي انتخب أخيراً رئيساً للجنة الأشغال النيابية (ناقشت في اجتماعها الأخير ملف الليطاني ودعت إلى اجتماع حوله في 28 آب): «أقاتل كل الناس لأجل الليطاني. وأنا حريص كل الحرص على متابعة الموضوع أياً يكن من سيتأذى لأنه ليس أهم من الوطن وأبنائنا». وتجدر الإشارة إلى أن لنجم شقيقاً ثانياً يدعى إيلي يشغل منصب عضو مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، لكنه لا يحضر اجتماعاتها منذ حوالي خمسة أشهر.
وورد في اللائحة أيضاً «مؤسسة البنيان للهندسة والمقاولات» في بعلبك التي تلوث النهر بمواد كيماوية وعضوية مختلفة. علماً بأن الشركة هي نفسها المكلفة تشغيل محطة إيعات لتكرير الصرف الصحي!
وكانت المصلحة قد وجهت إنذارات إلى بلديات القليعة و سحمر ويحمر وعين التينة وبر الياس وبلاط ودبين بسبب تصريفها المياه المبتذلة في الليطاني. كما وجهت كتابَين إلى كلّ من وزير الدولة لشؤون النازحين ​معين المرعبي​ ووزير الشؤون الإجتماعية ​بيار بو عاصي​، حول إنشاء مخيمات للنازحين السوريين على ضفاف نبع الغزيل أحد روافد نهر الليطاني الأساسية، على نحو يلوّث النهر ويهدّد صحة النازحين واللبنانيين. وطلبت «اتخاذ كافّة الإجراءات القانونية والصحية والبيئية والاجتماعية، الرامية إلى منع التلوّث على نهر الليطاني في هذا الموقع وفي غيره، واتخاذ الإجراءات الرامية إلى حماية النازحين واللبنانيين، من خلال منع إقامة مخيمات النزوح على ضفاف النهر (...) الطلب من البلديات تنظيف تلك المخيمات حرصًا على الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان وحماية البيئة».