عام 1927، إبان الانتداب الفرنسي، أدخلت بريطانيا شتلة الحشيشة الى منطقة بعلبك ــــ الهرمل بعد ادخالها الى مصر، وادخال الافيون الى الصين والقات الى اليمن، من ضمن سياسة الحرب الناعمة التي يجيدها الاستعمار بحق الشعوب... وعدا همروجة التلف الموسمي الشكلي، المضبوط الحجم بارادة تجّار المخدرات المدعومين بأغطية سياسية، شجّعت كافة عهود الاستقلال هذه الزراعة، فيما كان نصيب المزارع المحروم من اهتمام الدولة، دائماً، «الانتاج ــــ السترة»، وتبخرت الوعود المتكررة لتنمية المنطقة، وأُفشلت عمداً تجربتا زراعة دوار الشمس في الستينيات والزراعات البديلة في التسعينيات.بدافع الحرص والاهتمام بانماء منطقة بعلبك ــــ الهرمل، أطلق الرئيس نبيه بري شعار تشريع زراعة الحشيشة لاهداف طبية، وطبية فقط، والذي يحط رحاله اليوم في مجلس النواب. وسرعان ما تكاثرت الاصوات المنطلقة من لغة الارقام وحسابات المصالح، دعاية وتسويقاً ووعوداً ابتعدت كثيراً عن الهدف الطبي، من اقتصاديين يجيدون ثقافة «التقريش»، وأكاديميين من مدرسة «زواج المساكنة» بين رأس المال والبحوث العلمية الموجهة والدوائية منها بالتحديد، وهي ظاهرة عالمية بدأت مع سياسة الرئيس الاميركي رونالد ريغان عام 1983 وتشريعات الكونغرس، وانتهت بسيطرة رأس المال على عالم الدواء، بحثاً وصناعة وتسعيراً... هذا المشهد المميز بالهيجان والاستعجال، يثير القلق في النفوس، ويسلط الضوء على ابعاد أربعة:
1ــــ الطبي: لسنا ضد الاستفادة من الاستخدام الطبي لنبتة الحشيشة كما جاء في مشروع دولة الرئيس، لكن ذلك يتطلب دراسات علمية وافرة تحدد المفاعيل العلاجية العلمية للدواء المصنع، والذي يتطلب حتماً اعادة تفعيل المختبر المركزي للرقابة الدوائية، حيث سيخضع دواء الحشيشة لقانون مزاولة مهنة الصيدلة (8 آب 1994)، والا فالخوف مشروع من تشريع قد يستخدم «كلمة حق يراد بها باطل»، فتسود البلبلة الطبية والعلاجية، وما تحمله من مفاهيم صحية مغلوطة ومخاطر على الصحة العامة. كما يتطلب مؤتمرات توعية للاطباء والمستشفيات، وتوعية تربوية.
2ــــ الاقتصادي ــــ التنموي: لا شك في استفادة المزارع مادياً، أقله لجهة حتمية تصريف الانتاج، لكن الادارة العامة للمشروع قد لا تخرج عن القاعدة التي باتت تحكم الاداء الفاشل للادارة. اما الارقام المغرية والتشويقية التي يطلقها بعض الاقتصاديين ممن شبهوا الحشيشة بـ«الذهب الاخضر»، فهي تزيد المخاوف من هيمنة حسابات المصالح الكبيرة وسلطتها، واخذ المشروع في اتجاهات اخرى بعيدة عن العنوان الطبي، وتراكم صدمة «لا انمائية» جديدة للمنطقة.
3ــــ الاجتماعي: في ظل ما وصلنا اليه من تفلت اجتماعي وانحسار كبير للضوابط والقيم، وفي ظل تراكم الفشل في مفهوم الدولة وحضورها، وفي ظل الاجتياح التكنولوجي المتمادي والمختزن للكثير من السطحية والتفاهة والضياع، وانكسار المناعة القيمية الاخلاقية وسيطرة ثقافة الفساد، من يضمن عدم تفلت استخدام الحشيشة ومنها الماريجوانا خارج الاطار الطبي؟ ومن يحمي جيل المراهقين المتهافت أكثره على «الارغيلة» من تسريب هذه المادة اليه، وطلاب الثانويات والجامعات المتهافت كثيرون منهم على الادوية المخدرة من الوقوع في الشباك؟ انه الخوف الكبير من هيمنة وحشية لغة المصالح المادية على المشروع وفرض لغة الارقام والارباح الخالية من اي نبض انساني، خصوصاً في ظل دولة تراكم الفشل يوما بعد يوم. وليسمح لنا ويتواضع قليلاً، كل من يستحضر التشبيه بدول اوروبية واميركية.
4ــــ السياسي: بعيدا عن النوايا السليمة للاستخدام الطبي، اخشى ما نخشاه وجود اياد خفية بعيدة تحاول العبث بمنطقة احتضنت المقاومة ولا زالت، لتسجل ما امكنها من اختراقات اجتماعية وسياسية وربما امنية، بعد ان فشلت في كل محاولاتها السابقة. وفي ذلك (بمعزل عما للمقاومة وما عليها)، خطر قد يرتقي بمفاعيله الى أخطر اشكال «الحرب الناعمة».
في يوم الانطلاق لمناقشة تشريع القنب الهندي Cannabis، نتمنى على مجلس النواب، ورئيسه بالتحديد، عدم الاستعجال، ورصد المتربصين سياسياً واجتماعياً ومخدراتياً، لحماية الهدف الاساس لقانون التشريع، المحصور بالاستخدام الطبي.
* نائب سابق