76% من الأطفال في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب «مُتسرّبون» من اللقاحات الإلزامية، بحسب مسح ميداني أجرته جمعية «الهيئة الصحية الإسلامية» في 119 بلدة، وشمل عيّنة ضخمة من 82 ألفاً و463 طفلاً دون الثامنة عشرة.وأظهرت النتائج أن معظم الأهالي يتوقّفون عن متابعة اللقاحات الإلزامية لأطفالهم بعد تخطيهم سنّ الخامسة. إذ يُشكّل الأطفال المتسربون فوق الخمس سنوات نحو 70% من مجمل المُتسرّبين، علماً بأنّ هناك جرعات تذكيرية لأعمار الـ 10 سنوات والـ 14 سنة والـ 18 سنة تفوق بأهميتها الجرعات الأساسية. وتبيّن أن اللقاح الثنائي (DT) الإلزامي (لمرضي الكزاز والخانوق)، هو من أبرز اللقاحات التي لم يحصل عليها معظم المُتسرّبين.
وفق مسؤولة دائرة الإرشاد والتنسيق الصحي في الجمعية، لمى الحموي، يشمل مفهوم التسرب من اللقاح ثلاثة أنواع من المُتسرّبين: المُتسرّب الكلّي وهو الطفل الذي لم يأخذ أي لقاح منذ ولادته، المُتسرّب الجزئي وهو الذي أخذ جزءاً من اللقاحات الإلزامية، والمُتسرّب «الاحتياط» الذي قد يكون حاصلاً على كل لقاحاته أو جزء منها، لكنه لا يملك سجلّاً صحياً يوثّق ذلك.
أرقام الهيئة تنسجم وتلك التي توصّلت إليها مُنظّمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حول التسرّب من اللقاحات الإلزامية في مختلف المناطق اللبنانية، ومنها تلك التي لم تصل إليها «الهيئة». إذ أوضحت مسؤولة برنامج التلقيح في «يونيسيف»، الدكتورة روهام يموت، لـ«الأخبار» أنّ نسبة المُتسرّبين في لبنان بلغت نحو 66%.
70% من «المُتسرّبين من اللقاحات الالزامية» فوق سن الخامسة


هذه الأرقام الصادمة، «لا يُمكن اعتبارها أرقاماً علمية وطنية يصلح تعميمها»، وفق رئيسة دائرة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الدكتورة رندة حمادة، على رغم استنادها إلى مسح ميداني دقيق. إذ إن أرقام الوزارة تُفيد بأنّ نسبة التسرّب على الصعيد الوطني تبلغ 8% فقط! وأوضحت أنّ هناك نحو 219 تجمّعاً في لبنان تعاني ضعفاً في التغطية الصحية الوقائية. لذلك، فإنّ النسب الصادرة عن «الهيئة» و«يونيسيف» «متوقعة ومنطقية كونها شملت المناطق ذات التغطية الضعيفة والفقيرة والنائية».
غير أن أرقام وزارة الصحة، بدورها، تخضع لكثير من التشكيك، وخصوصاً أنها لا تملك مسحاً ميدانياً دقيقاً حول نسب المُتسرّبين. وبحسب مصادر مُطّلعة، تعتمد الوزارة على البيانات التي تصلها من مراكز الرعاية الصحية التي تديرها جمعيات أهلية، «وغالباً ما يتلاعب المعنيون في هذه الجمعيات بأعداد المُسجّلين لضمان حصولهم على لقاحات مجانية من الوزارة لأهداف تجارية»! فيما تلفت الحموي الى أن كلام حمادة «لا يناقض نتائج الدراسة التي غطّت مناطق فقيرة ونائية».
دراسة «الهيئة الصحية» تأتي ضمن مشروع «التحصين الشامل» الذي بدأته منذ عام 2011 بهدف الحدّ من التسرّب من اللقاحات الإلزامية. وقد قضى المشروع بإجراء مسح في المرحلة الأولى على عدد من الأطفال موزعين على 119 بلدة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، على أن تستكمل المرحلة الثانية بالسعي الى تحويل المُتسربين من اللقاحات إلى المراكز الصحية. ويختتم المشروع، اليوم، بطاولات حوار في فندق pearl في الضاحية الجنوبية، ستخلص الى توصيات يصلح اعتمادها ضمن سياسة مكافحة التسرّب.

أبرز عوامل التسرّب
وإلى عامل ثقافة الأهل الذي يؤدي دوراً مهماً في التسرّب، أظهرت نتائج الدراسة أنّ عاملين أساسيين يساهمان في ارتفاع نسبة التسرّب من اللقاحات الإلزامية: بُعد المراكز الطبية عن أماكن السكن، وضعف ثقافة التلقيح لدى الأهل. ولفتت حموي إلى أن «عامل اللجوء الأجنبي يُعزز مسألة التسرّب، إذ إن اختلاط اللاجئين (أنّى كانت جنسيتهم) والعاملين الأجانب الذين غالباً ما يهملون مسألة التلقيح، تُساعد في رفع النسب الإجمالية للمُتسربين نتيجة اختلاط البيئات المُحصّنة بتلك غير المُحصّنة». كما أن ثمة عوامل أُخرى تتمثّل بالفوضى القائمة في سوق اللقاح، ووجود جهات تعمد أحياناً الى تعزيز خوف الأهالي من اللقاحات (التهويل بارتفاع حرارة الطفل وتداعيات التلقيح وغيرها) بهدف التسويق لأنواع معينة من الأدوية التي تستهدف الأمراض التي تكافحها اللقاحات، «وهنا مكمن الخطورة، إذ سيتم الانتقال من مجتمعات ذات حاجات وقائية إلى مجتمعات لديها مشاكل وبائية».



أين «إلزامية» اللقاحات؟
تؤمّن وزارة الصحة العامة اللقاحات الإلزامية مجّاناً لعدد من الأمراض التي قد تكون مميتة أو تتسبب بعلل دائمة (شلل الأطفال والسحايا والخانوق وغيرها)، توزع على المراكز الصحية التي تخضع معظمها (67% منها) لإدارة المجتمعات الأهلية. ورغم أنّ اللقاحات مجانية، تلفت مسؤولة برنامج التلقيح في «يونيسيف»، الدكتورة روهام يموت، إلى أن عملية التلقيح ليست كذلك، «وغالباً ما تكون لقاء بدل مادي زهيد». كما أن بعض المراكز، بهدف «تنفيع» الأطباء الذين يقومون بعملية التلقيح، تلزم الأهالي بمعاينة الطفل، ما يزيد الكلفة على الفئات المعدمة والفقيرة ويُساهم في «نفور» الأهالي.
وتلفت مسؤولة دائرة الإرشاد والتنسيق الصحي في «الهيئة الصحية الإسلامية» لمى الحموي إلى أن إلزامية اللقاحات في لبنان لم تُرفق بإجراءات صارمة لحثّ الأهالي على الالتزام، «ففي بعض الدول الأوروبية، مثلاً، يعدّ السجل الصحي للقاحات الطفل مرافقاً للهوية، ويتم طلبه عند القيام بالمعاملات الرسمية وغيرها». وتلفت إلى أن المدارس في لبنان باتت تسأل عن السجل الصحي للطفل، «لكنّ معظم السجلات الصحية تكون أحياناً مزورة من قبل الأطباء»! لذلك، فإنّ المطلوب، وفق الحموي، اتخاذ إجراءات صارمة تتمثل بالرقابة الفعالة على عملية التلقيح والسعي إلى تطبيق إلزامية السجل الصحي كمستند إلزامي على الفرد حيازته.


أبناء المُتعلّمين يتسرّبون أيضاً
رغم أن العمل يتم على صعيد المناطق الفقيرة والنائية باعتبار أن المستوى التعليمي للأهالي المتدني يُساهم في تعزيز ظاهرة التسرّب، إلّا أن المسوحات الميدانية أظهرت أن كثيراً من الأهالي ممن يُصنّفون ضمن الفئات المُتعلّمة يهملون تلقيح أولادهم لأسباب مختلفة، منها انشغالهم المتكرر في العمل، أو الخوف من تداعيات اللقاحات على أبنائهم أو مجرد الإهمال!


اللقاحات الاختيارية
لم تشمل دراسة «الهيئة» اللقاحات الاختيارية، «لأن المُتسرّب من اللقاح الإلزامي سيكون حكماً مُتسرّباً من اللقاح الاختياري». وتلفت مسؤولة دائرة الإرشاد والتنسيق الصحي في «الهيئة الصحية الإسلامية» لمى الحموي الى أن هناك عدداً مهماً من اللقاحات الاختيارية التي توازي أهميتها أهمية اللقاحات الإلزامية كلقاح سرطان عنق الرحم والتيفوئيد وغيرهما.