هكذا، بقي لبنان من بين 13 دولة في العالم فقط لم تصدّق هذا الاتفاق الدولي الأول من نوعه، والذي يهدف إلى مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة وتثبيت تركيزاتها في الغلاف الجوي عند مستوى يسمح للنظام البيئي بأن يتكيّف بصورة طبيعية مع تغير المناخ لحماية الإنسان من خطر نقص الغذاء والماء، والنظر بجدية في الآثار الواضحة للتغيرات المناخية، والحد من ارتفاع الحرارة العالمية. وقد رصد الاتفاق، مبدئياً، 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على التأقلم مع التغيرات المناخية، والتخفيف من آثارها وحدّتها.
لا مشكلة في عدم التصديق لو أن هذا الاتفاق غير ملزم أو يضر بمصالحنا انطلاقاً من مبررات مدروسة ومعلنة، أو لو كان البلد في حال حرب ولديه أولويات أخرى (بالمناسبة، صدّقت سوريا الاتفاق)، أو انطلاقاً من موقف مبدئي متماسك بأن على الدول الكبرى التي خرّبت المناخ العالمي مسؤولية إصلاحه بالتراجع عن نموذجها الاقتصادي المسيطر... إلا أن المسألة في لبنان، ببساطة، لا تتعدى كونها مجرد إهمال ولا مبالاة! فوزير البيئة طارق الخطيب لم يعط الأمر، على مدى سنتين، الاهتمام الكافي قياساً إلى أهميته وخطورته. إذ أن بلداً «نامياً»، كلبنان، يرزح تحت مشاكل اقتصادية جمّة وديون ضخمة، كان عليه الاهتمام أكثر بطاقاته المتجددة وبوضع استراتيجيات محافظة لترشيد الاستهلاك، خصوصاً في الطاقة والمياه وغيرهما، وبالتخطيط لخفض انبعاثاته والتكيّف مع التغيّرات المناخية، حتى لو لم يكن ذلك التزاماً بـ«كوب 21». وهذا الأمر لم يعُد تفصيلاً أو ثانوياً، بعدما أصبح تغيّر الفصول واضحاً، وباتت ملموسةً الظواهر المناخية المتطرفة التي لطالما تحدثت عنها التقارير العلمية الدولية. وهو ما شهدناه في الأشهر القليلة الماضية عندما هطلت الأمطار بغزارة غير مسبوقة في أوقات قصيرة، ما تسبّب بفيضانات وسيول وانجراف التربة وفقدان القدرة على زيادة التخزين الجوفي ونقص المياه العذبة.
وبحسب بلاغ لبنان الثاني إلى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ العام 2011 (لم تتغير الأرقام في البلاغ الثالث عام 2014)، يتوقع بحلول عام 2040 أن ترتفع الحرارة درجة مئوية واحدة على الساحل ودرجتين في الداخل، وبين 3,5 و5 درجات بحلول عام 2090. كما يتوقع أن تتراجع كمية الأمطار بين 10% و20% بحلول عام 2040 وبين 25% و45% بحلول عام 2090. وسيكون لذلك أثر بالغ السلبية على الزراعة وحياة الغابات والثروة المائية، وعلى الصحة العامة بسبب زيادة الوفيات من شدة الحرارة صيفاً، ناهيك عن التأثيرات السلبية على الحركة السياحية شتاء مع الذوبان السريع للثلوج.
كل ذلك، لم يدفع بوزارة البيئة إلى وضع استراتيجية بيئية يفترض أن تتضمن إجراءات التخفيف من الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية، وتحدّد ما هو المطلوب من بقية الوزارات والقطاعات الأساسية (لا سيما الطاقة والنقل والزراعة وإدارة المياه…) لمواءمة برامجها وخططها ومشاريعها الكبرى مع إجراءات التخفيف.
لبنان سيشارك الأسبوع المقبل، في بولندا، في الاجتماع الـ24 للدول الأطراف الملتزمة بالاتفاقية الإطارية لتغير المناخ التي صادق عليها منذ عام 1994. اللقاء يفترض أن يناقش آليات تطبيق اتفاق باريس للمناخ، فتقدّم كل دولة ما أقرته من سياسات واستراتيجيات للتّكيف والتأقلم مع التّغيرات المناخية بالموازاة مع استراتيجيات التخفيف من حدة آثارها. وحده الوفد اللبناني يذهب إلى بولندا، كالعادة، خالي الوفاض من أي خطط أو استراتيجيات.
اتفاق باريس: احتواء الاحترار
أقرّ الموقعون على اتفاق باريس للمناخ بأنّ التّغير العالمي للمناخ يتطلب تعاوناً مشتركاً من كل البلدان، وضرورة وجود استجابات دولية فعالة. ويشدّد الاتفاق على أن على كل دولة عضو المسؤولية الكاملة في ألا تقع أي أنشطة داخل ولايتها تسبب ضرراً للبيئة، وأن تعمل كل منها على النشر المستمر للتوقعات والمخططات التي تعمل عليها خلال مواجهتها لظاهرة التغيرات المناخية، ووضع الحلول بشكل ممنهج، واتخاذ القرارات الفعالة التي تعهدت بها كل دولة طرف في تلك الاتفاقية. وعلى كل دولة أن تراجع التزاماتها كل خمس سنوات بغية خفض انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بها. وأن تسجّل كل مساهمة من المساهمات المحدّدة وطنيّاً تقدماً مقارنة بالمساهمة السابقة. كما أكد الاتفاق على الالتزامات المالية للبلدان الصناعية التي يتعيّن عليها تيسير نقل التكنولوجيا، والتكيّف مع الاقتصاد المنزوع الكربون. ونص على ضرورة احتواء ارتفاع معدل درجات الحرارة دون درجتين مئويتين مقارنة بمستويات درجات الحرارة في الحقبة ما قبل الصناعية، ومواصلة تنفيذ الخطوات الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية. وبحلول الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التي ستُعقد في بولندا أواخر عام 2018 يتعيّن على الدول الأطراف صياغة مجموعة من القواعد والآليات بشأن تنفيذ الاتفاق واعتمادها، كما سيجري تقييم شامل لهذه القواعد والالتزامات.