في التاسع عشر من الجاري، يمثُل 50 شخصاً، وهم أصحاب المحال المنتشرة في الحي الشرقي في وطى المصيطبة، أمام القضاء بتهمة «اغتصاب الأرض». اسم المدّعي ليس تفصيلاً. هو وليد كمال جنبلاط، ابن «عامود السما»، الذي قاتلوا معه وأمامه وعنه في كلّ معاركه. عتب أهالي الوطى على الزعيم ليس على قدر المحبّة، وإنّما على «قدر نسبة الدروز الذين يمثّلون أكثر من 90% من سكّان الحي»، بحسب ما يقول هؤلاء. بالنسبة إليهم، «كان وليد جنبلاط النبي، وكنّا سيوفاً بظهره». أما اليوم، «فقد صار الخنجر الذي سيمزّق لقمة عيشنا». سيمثُل هؤلاء لأنّ من يواجهونه يملك «مفاتيح القضاء» على ما يقولون، لكنّهم يؤكّدون أنّ الدم الذي طالما بُذل كرمى لجنبلاط سيكون هذه المرّة «كرمى لعائلاتنا».مئة وخمس سنوات، عاشها جدّ «أواكس». قضى معظمها في الحي الشرقي في وطى المصيطبة. جاء إليه شابّاً، في عشرينيات القرن الماضي، وبنى حياته على هامش المدينة، حيث فقراء يشبهونه. سترَ فقره في غرفة و«علّيّة»، وأسّس عائلة لا تزال تسكُن في الوطى. «أواكس»، المقاتل السابق في الحزب الاشتراكي، من نسل ذاك الذي عاش كل تلك السنوات ثم مات، هنا، في الحي الشرقي.
105 سنوات ليست مجرّد رقم، ولا هي تساوي عمراً واحداً. هي قصة حياة بنى خلالها الفقراء ذاكرة الحي الذي كبُر عائلة عائلة، حتى وصل اليوم إلى حدود 300 عائلة. حياة «خيّطوا» تفاصيلها جيلاً بعد جيل، حيث يصعب، اليوم، فرطها.
الشهر الماضي، فقط، بدأ الخوف يتسّرب إلى سكان الحي الذين صاروا في معظمهم من الجيل الثالث. الخوف من كسر تلك «الحلقة» على يد من كان، بالنسبة إليهم، ابن «عمود السما»: النائب السابق وليد جنبلاط. الشهر الماضي، تلقّى 50 شخصاً، وهم أصحاب المحال التجارية على أطراف الحي - ومعظمهم من الساكنين فيه - بلاغات بوجوب المثول أمام القضاء في 19 الجاري للتحقيق معهم في الدعوى المرفوعة عليهم من شركة «الوطى العقارية» (يرأس مجلس إدارتها جنبلاط ويملك أسهمها مع نجليه تيمور وأصلان)، بتهمة اغتصاب أرض العقار /2207/ سنداً للمادة 738 من قانون العقوبات التي تدين بالسجن من «يستولي على عقار أو جزء منه من دون مسوّغ شرعي (...)». وأُرفق البلاغ بملاحظة تقول: «إذا تخلّفتم عن الحضور تُحاكمون غيابياً»!
شكّل البلاغ، الآتي على حين غرّة، صدمة لأهالي الحيّ. لم يكن هذا «عشمهم» بـ«الزعيم». أما وقد وصل الحال إلى المحاكم بين الطرفين، فقد صار الحديث عن قطع «صلة رحمهم» معه أمراً واقعاً. هذه المرة، «سنواجه»، يقول نشأت بو حمدان. أساساً، لا يملك هؤلاء خياراً آخر. بالنسبة إليهم، «الموت تحت جرافة دفاعاً عن لقمة عيشنا وبيوتنا وذاكرتنا أفضل من الموت جوعاً في الشارع»، يتابع بو حمدان، وهو ابن الجيل الثالث من عائلة سكنَت الحي قبل أعوامٍ طويلة لا يعرف عددها. يقدّرها بسنواتٍ أخرى سبقت ميلاد أبيه، هنا، في عام 1946. في عام 1977، ولد هو وكبُر، ثم تزوّج وبنى بيتاً لعائلته الصغيرة فوق بيت أمه. الوطى هي ضيعته، كما هي بالنسبة لآخرين مثله، ولدوا وتربّوا وكبروا وماتوا فيها. اليوم، يأتي من يقول لهم: اهجروا ذاكرتكم، سنبني «مول».
الناس هنا تقيس وجودها بالعمر الذي أتى به الأجداد إلى الحي: من 105 سنوات. من 90. من 85... على هذا الأساس، يقدّرون وجودهم هنا بـ120 عاماً. هذا العمر «خلّا شروشنا ضاربة للرملة البيضا». وحتى «حديثو» القدوم إلى الحي «صار إلهن 40 سنة». لذلك، يرفض سكان الحي رفضاً قاطعاً تركه هكذا. الكلّ سيواجه، «وكما حملنا البارودة معه (جنبلاط) دفاعاً عن القضية، سنحمل اليوم البارودة نفسها للدفاع عن لقمة عيشنا»، يقول رومل عربيد، و«من أجل حماية السقف الذي يؤوينا». هذا ليس تمرّداً، وإنما «دفاع عن أبسط حقوقنا»، يقول شادي، صاحب أحد المحال هناك.

«نحنا عنا شهيد بالحزب»
لم يصل الحي إلى المحكمة بلا مقدّمات. فقد دخل دائرة «النزاع» في مطلع الألفية، مع المشروع الذي تصوّره رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري للمنطقة، وكان يتمنّاه على شاكلة مشروع «أليسار». يومذاك، كان الحي جزءاً أساسياً من مخطط مشروع الحريري. ويومذاك، أيضاً، وقف جنبلاط في وجه هذا المخطط، مقدّماً للحريري طرحاً ــــ صار مع الوقت مقولة يتعلّق بها أهالي الحي ـــ يشترط ربط إخلاء العقارات بما سمّاه «مفتاح بمفتاح»، أي أن مقابل المسكن مسكناً ومقابل المحل التجاري محلاً تجارياً.
عُلّق المشروع، فعُلّق الطرح معه ودخلت القضية غياهب النسيان... أو هكذا ظنّوا. بعدها، اشتعلت في الحي «شائعة» عن نية شركة إيرانية شراء عقاراته.
«هيدي الأرض فيها دم». لذلك لا يُقاس الناس هنا ولا ذاكرتهم التي راكموها طوال 120 عاماً «بالمتر والدراع»

ومن باب «الحرص» على حقوق الدروز، الذين يمثّلون غالبية في المنطقة، قرّرت شركة «الوطى العقارية» الشراء «لحمايتنا»، يقول بو حمدان. بدأت الشركة بشراء الأراضي في العقار البالغة مساحته 13 ألفاً و81 متراً مربعاً كقيود احتياطية. اشترت في السادس من آذار 2009 حصص آل رزوق (تيودور وجيزيل تيودور رزوق) وآل عطية (انطوان ونينا وجوزيان ألفرد عطية) وآل بويز (زينة ادمون بويز) وآل سلامة وأبي حبيب (كمال انطوان سلامة ورشيد ونبيل وأمل ومي الياس ابي حبيب) وآل طراد (نجيب وليلى ومنى باسيل طراد). في التاسع عشر من الشهر نفسه، استكملت الشركة شراء حصص آل عرمان ونحاس (ماكي انطوان نحاس ونبيل ونجيب وانطوان وميشال عرمان)، وفي الثاني من نيسان من العام نفسه، اشترت حصص ليلى جرجي سعد وجومانا وتيو الياس رزوق وآل عيتاني في مرحلة لاحقة. في الخلاصة، سجلت شركة الوطى «أملاكها» الجديدة في العقار المذكور، وبلغت قيمة الأسهم 3173,278 سهماً، بحسب عقد البيع المدوّن في الإفادة العقارية في 29 تشرين الثاني 2009. لم يتبقّ سوى جزء قليل من العقار. في المحصلة، اشترى جنبلاط في الوطى 25 ألف مترٍ مربع، منها 13 ألفاً في العقار 2207 و3 آلاف في العقار الملاصق، فيما بيعت البقية، وهي عبارة عن 9 عقارات متفرّقة، لبدري غيث.
تمّت البيعة، لكن «الحرص» زال على ما تبقى من دروز بيروت. فبعد عامين من تأسيس «الوطى العقارية»، رفع جنبلاط أول دعوى «اغتصاب أرض». يقال إن من رفعها، في حينه، كان رئيس مجلس إدارة الشركة، وذراع جنبلاط اليمنى، بهيج أبو حمزة. كان ذلك في عام 2010. اشترى جنبلاط العقار بناسه. هؤلاء ليسوا ملاكيه بل يشغلون «عقارات غيرهم»، كما هي حال كثيرين مثلهم نزحوا إلى المدينة بلا حول ولا قوة وبنوا حيواتهم في الأملاك المتروكة. وهذه شكلت - في لحظة التفكير بالمنحى التجاري - نقطة قوة: أن تشتري أرضاً بإشكالاتها ومخالفاتها، فهذا يعني أن «السعر كان لقطة».
هذا في الجزء الأول من القصة، أما في جزئها الثاني، فتلك المنطقة تقع في قلب منطقة حيوية، وكان ثمة تخطيط يمرّ بمحاذاة الـ2207، في ستينيات القرن الماضي، يأتي من صوب ما صار اليوم سبينس، ويشق نصف ملعب الصفاء ويصل إلى الكولا. ولئن كان هذا التخطيط قد عُلّق، كما غيره من تخطيطات الستينيات، إلا أن مجرّد استعادته أو استحداث تخطيط مماثل يجعل من الأرض هناك «ثروة»، ويضيف أضعافاً إلى قيمتها العالية أصلاً. هذه ليست مجرّد أرض. بالمنطق التجاري هذه ثروة. ويمكن الاستعانة هنا، للدلالة على ذلك، بتقرير الخبير المهندس جهاد الحجار (أعدّه بناء على القرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت في أيلول 2010). فقد خمّن الحجّار، حينذاك، قيمة «المتر المربع من أرض العقار بمبلغ قدره 2700 دولار أميركي». 2700 دولار هي قيمة التخمين لما كانت عليه أسعار العقارات قبل ثماني سنوات. وفق تلك الحسابات، بلغت قيمة التخمين نحو 36 مليون دولار. هي قيمة تخمينية، وليست قيمة حقيقية لما قد يدرّه العقار لأصحاب شركة الوطى. وإذا ما أضيفت إلى تلك القيمة قيمة أخرى هي ما يمثّله العقار بالنسبة لموقعه وما هو مخطط له، يمكن أن يصل السعر إلى «ما فوق الـ100 مليون دولار»، على ما يقول العارفون بأسعار العقارات.
ثمة أمر آخر في المنطق التجاري يستأهل الحساب، وهي قيمة الاستثمار العام في تلك المنطقة التي تقع ضمن الحيز رقم «8»، والتي تتراوح ما بين 1,25% و1,5%. بحساب بسيط، تستطيع شركة الوطى أن تستثمر من مساحة العقار الذي تملكه (13 ألفاً و81 متراً مربعاً) ما بين 15 ألفاً و43 متراً مربعاً و19 ألفاً و621 متراً مربعاً.

العتب «على قدّ نسبة الدروز»
مع أوّل دعوى، عام 2010، بدأت المشاكل مع شاغلي العقار، وهم أنفسهم الذين رعاهم كمال جنبلاط، والد «الجهة المستدعية» اليوم، عندما لجأوا إلى المدينة. في عام 2012، نظموا مظاهرتهم الأولى، ومن يومها كبرت المشاكل. زاروا جنبلاط وعادوا بلا نتيجة، بقيت الحال على ما هي عليه إلى أن فوجئوا بالتبليغات الأخيرة. زاروا «البيك» مجدداً، كما زاروه مرات كثيرة قبلها، وفي كل مرّة كانت الأجواء سلبية. في اللقاء الأخير «قال لنا: عيني في محاكم». عندما واجهوه بما يمثلون، جاءهم الجواب: «بالناقص واحد… آخرتكن متل بهيج»!
قبل أن يصيروا بالنسبة إليه «بالناقص واحد»، كانت ثمة مؤشرات خبروها في فترة سابقة مع حملة نزع مخالفات البناء في الحي الغربي. يومها، تساءلوا عن سبب موقف جنبلاط برفع الغطاء عن أي مخالفين للقانون. ويومها، أيضاً، بدأ التحوّل في بيت الوطى الاشتراكي. ترك كثير من الشباب الحزب. «أخدنا البطاقات على المركز وتركناهن هونيك»، يقول أحد الشباب. لم ينتقلوا إلى الضفاف المقابلة. بقوا اشتراكيين سابقين. يقول العارفون بحكاية الوطى بأن المنطقة «فرغت من الاشتراكيين». وهذه ليست مبالغة، وإنما هذا ما فعله النهج الجنبلاطي «تحت».
العتب كبير على جنبلاط هنا. عتب «مش على قد المحبّة»، ولكن على «قدّ نسبة الدروز هنا الذين يمثّلون أكثر من 90%». هذا ما يقوله أبناء الحي. وإن كان «البيك» لا يعوّل على تلك النسبة، مستنداً إلى التقارير المرفوعة إليه عن أن من يقطنون هناك «من جنسيات مختلفة»، وهو ما بيّن جزء منه تقرير الخبير الحجار. لكن، مع ذلك، ثمة «من هم من أهله»، يقولون. يعود هؤلاء بالذاكرة إلى أيام جنبلاط الأب، عندما كان لبنان يشتعل بأحداثه. «كنا خزان الدم لبيروت في تلك الأيام»، يقول مجدي الشمعة. لهذه المنطقة «تاريخ نضالي» رافق محطات مفصلية كثيرة، «لم يخسر خلالها الحزب الاشتراكي معركة واحدة»، يقول بو حمدان، طالباً العودة إلى «سجل وطى المصيطبة: كان أكتر من 80% يشاركون في المعارك تحت راية الحزب». يسانده شاب آخر، فيتحدث عن «54 محمولة» كانت تخرج من الوطى في سبيل القضية «يوم كان وليد جنبلاط عزوتنا». يتحدث هؤلاء، بغصّة، عما فعلوه في «أيام الحرب، حيث لم نبخل بنقطة دم»، وعن بيوت كثيرة تُعلّق على جدرانها صور شهداء سقطوا مع الحزب الاشتراكي، إلى جانب صور كمال جنبلاط.

كما حملنا البارودة مع جنبلاط دفاعاً عن القضيّة سنحمل البارودة نفسها للدفاع عن لقمة عيشنا


في حي الوطى، لا تكاد تباشِر حديثاً مع أحد عن علاقته بالحزب الاشتراكي، حتى يأتيك الجواب «نحنا عنا شهيد بالحزب»، أو «أنا تنين عمومتي شهداء». ومن بقي منهم حياً، سيسارع إلى رفع قميصه أو بنطاله ليريك أثر الحرب على جسده.
يختصرون: «هيدي الأرض فيها دم». لذلك، لا يقاس الناس هنا، ولا ذاكرتهم التي راكموها طوال 120 عاماً، «بالمتر والدراع». يتحسّرون على سنوات خلت «يوم وقف كمال جنبلاط في وجه الجرافة عندما أتى الكتائب والجيش اللبناني إلى هنا». وهم يعيشون، اليوم، الخوف من الجرافة التي ستأتي بها شركة الوطى. بالنسبة إليهم، «كان وليد جنبلاط النبي، وكانت المنطقة طول عمرها قفلاً ومفتاحاً له، وكنا سيوفاً بظهره». أما اليوم، «فقد صار الخنجر الذي سيمزّق لقمة عيشنا»، يقولون.
تدهورت العلاقة مع جنبلاط الابن في الحي. مع ذلك، لم ينقلوا «البارودة من كتف لكتف». لكن، ثمة خلاصة واحدة ساقتها سنوات المشاكل الأخيرة. إذ صار معظمهم متيقّناً من أن الدماء التي بذلوها في سبيل «القضية»، هي اليوم «لعائلاتنا».

القانون «كلو مع جنبلاط»
تحت شجرة الجميزة، عند مدخل الحي، يلتقي الجيران. يتشاركون أيامهم، كما كانوا من قبل، عندما كانوا أطفالاً. كبروا مع الشجرة التي يقولون إن عمرها يناهز مئتي عام، بشهادة أجدادهم. كانوا يبنون فيها بيوتاً من الكرتون لكثافة أغصانها، وعندما كبروا بنوا حولها بيوتهم وصارت ذاكرتهم. يربطون مجيئهم إلى هنا بالجميزة، وبما تناقلوه من قصص عن أهلهم وما تركوه. يتذكر هؤلاء أن أول من أتى كان آل حيدر. بنوا غرفتين من الحجر في «بحر» من الرمال المزروع بأشجار التوت، ثم كرّت السبحة.
بالقانون، ملفّ جنبلاط «مية بالمية صح»، إذ أنه اشترى من مالكي العقارات. أما من يسكنون تلك الأرض، فلا يملكون مستنداً واحداً يثبت ملكيتهم. مجرّد «حجج أو لا شيء»، على ما يرد في تقرير الخبير الحجار. أما اجتماعياً وإنسانياً «فجنبلاط خاسر». يستغرب من كانوا مقربين منه توجّهه إلى القضاء، معتبرين أنّ «حلّ هذا الملف لا يكون بالقانون وإن كان محقّاً. في هذا العقار بالذات القانون مش مهم، أمام المنحى الاجتماعي والإنساني». الناس الموجودون في الوطى «ليسوا مقطوعين من شجرة، وهي عائلات طويلة عريضة لها امتدادات خارج الوطى، كآل حيدر مثلاً».
بغضّ النظر عن ملكية العقار اليوم، يُفترض أن جنبلاط هو «المرجعية» لسكان الحي. وهو المرجعية «حتى لو لم يكن مالكاً للأرض». في هذا المكان بالذات، ثمة امتداد لمشكلة اجتماعية أفرزتها الحروب. وهي ليست استثناء. هي مشكلة «عامّة»، وكان يمكن لجنبلاط هنا أن ينتهج مساراً آخر مع هؤلاء: التفاوض، «ولو على حقّه، لأن ذلك لن يكلفه شيئاً». في أقصى الأحوال «مبلغ بسيط لا يقاس بسعر المتر تحت».
في الشق القانوني، جنبلاط صاحب حقّ. أما في العلاقة مع السكان، وإن كان الدروز لا يمثلون أكثر من 20% منهم فيما البقية من جنسيات أخرى على ما تشير معطيات «البيك»، فإن المواجهة ليست في مكانها. والبلاغ الأخير كان بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير» بينه وبينهم. يحار القابعون في بيوت العقار 2207 كيف يتصرفون حيال دعوى «الاغتصاب»، خصوصاً أنهم لم يؤسّسوا حيوات خارج الحي. لذلك يؤكدون أنهم لا يملكون خياراً سوى «الموت تحت الجرافات». يقول مجدي الشمعة: «نحنا بإيام ما كنا نموت بطوفان مي الشتا ما فلينا، هلأ بدنا نفل؟». يتذكر، قبل ثلاثين عاماً، عندما كانت مجاري العاصمة تُغرِق حيّهم، لافتاً إلى أن البعض منهم مات بالطوفان «ومنهم محمد شكر».
اليوم، ينتظرون طوفان المشروع العقاري. هذا ما تناهى إلى مسامعهم. لم يعرفوا بعد طبيعة المشروع التجاري المنوي إقامته، ولكنهم حضّروا أنفسهم للمواجهة، «ولو بالسلاح». يقول بو حمدان «اليوم العالم آخدة قرار تطلع الجرافات عليها». بالنسبة إليه، «الأفضل أن أُدفن أنا وأمي وأختي وزوجتي وابنتي تحت الجرافة، ولن أخرج إلى الشارع لأموت جوعاً». يعيل الشاب الأربعيني 6 أشخاص. يعني «كومة لحم». من دون المقهى الذي يملكه عند باب الحي، لا مورد عيشٍ آخر. يسأل: «هذه الناس إذا فلّت وين بتروح؟». لهذا، سيواجهون «من أجل لقمة العيش».
رزق الناس هو لبّ المواجهة. يقولون: «عم يجوا يقطعوا رزقنا، ولذلك يا الموت يا الحرية، لكن ليست حرية الاشتراكية التي دفعنا ثمنها 40 عاماً». الحرية هي البقاء تحت سقف يستر الفقر. أرسل أبناء الحي اقتراحات كثيرة للوصول إلى حل لا يشرّدهم، منها بناء مساكن وبيعها لهم «متل الإسكان»، أو العودة إلى طرح «مفتاح بمفتاح». لكن، كل الطروحات قوبلت من الطرف الآخر بالقول: «لسنا كاريتاس».
لا حلول اليوم، في انتظار ما ستؤول إليه نتيجة الاستدعاءات في التاسع عشر من الجاري، وإن كانوا لا يعوّلون كثيراً عليها، فمن يواجهونه يملك حتى «مفاتيح القضاء».



«عقار الوطى بعهدة القضاء»
على قاعدة «بيني وبينكم المحاكم»، جاءت التبليغات باسم 50 شخصاً، هم أصحاب المحال التجارية في الوطى. بحسب الدعوى، «لا تبليغات لمن يسكنون العقار»، إلا أنه لا يمكن الفصل بينهم، فالتبليغات وإن كانت «حصراً لأصحاب المحال»، إلا أن الدعوى هي دعوى اغتصاب عقار كامل. وفيما لو طُلب إخلاء المحال، فهؤلاء هم في جزء منهم من سكان العقار. وهو ما يعيد الحديث عن مواجهة، يقول العارفون بـ«البيك» والمقربون منه أنه، ربما، لا ولن يقدم عليها. بدليل؟ أنه فوجئ بالتبليغات. يحسبها البعض من جانب «حسن النية» من البيك، مشيرين إلى أنه لم يتابع الملف قضائياً، وإنما سارت الأمور بشكلٍ طبيعي وأن التبليغات أصدرها القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا ولم يوصِ بها محامو الجهة المستدعية. وثمة قصة أخرى يرويها البعض مفادها أن جنبلاط يعتبر أن هذا العقار «ورطة ورّطه فيها بهيج أبو حمزة»، مشيرين إلى أن الأخير «هو من بدأ بالمسار القانوني».
على أية حال، القضاء بلّغ، والمحاكمات في التاسع عشر من الجاري، وشركة الوطى قالت كلمتها «القضية بعهدة القضاء»، وهو ما أعاد التأكيد عليه الوكيل القانوني في الشركة، المحامي وليد صفير، قائلاً بأنه يتبنّى «البيان الصادر عن شركة الوطى العقارية بعنوان: عقار الوطى بعهدة القضاء والمراجع الرسمية».