بحجّة مكافحة تهريب الهواتف الخلوية، اعتمدت وزارة الاتصالات، منذ نحو ثلاثة أشهر، نظاماً جديداً لتتبّع الأجهزة «غير النظامية»، ومنع تشغيلها على شبكتي «تاتش» و«ألفا». في رأي خبراء، هذا النظام لا يُشكّل تهديداً جدّياً لخصوصية المُقيمن في لبنان فحسب، من خلال تسليم بياناتهم الرقمية لشركة خاصّة، بل يمثّل أيضاً أداة فاعلة لحماية الوكالات الحصرية وتعزيز الاحتكارات، ما يرفع السعر تلقائياً على المُستهلكين.أواخر آب الماضي، أعلن وزير الاتصالات جمال الجرّاح، اعتماد تقنية جديدة، دخلت حيز التنفيذ في الثالث من أيلول الماضي، بالتعاون مع شركتي «تاتش» و«ألفا»، المُشغّلتين لقطاع الاتصالات، بهدف التأكّد من «شرعية» الأجهزة الخلوية التي يجري إدخالها إلى لبنان.
والتقنية الجديدة عبارة عن نظام معلوماتي لشركة «INMOBILES» يساعد في ضبط عمليات التهريب، عبر تتبّع أجهزة الهواتف الخلوية من خلال تسجيل رقم «الهوية الدولية للأجهزة المتنقّلة» (IMEI)، أو ما يُعرف بالرقم التسلسلي، في مصلحة الجمارك، ليُدرج، تلقائياً، في النظام على أنه جهاز قانوني وشرعي ويجري تعريفه على الشبكة. ولدى استخدامه من المُستهلك، يربط الرقم التسلسلي الخاصّ بالهاتف برقم الخطّ الخاصّ بصاحبه، ويجري تفعيل الخط. وعليه، فإنّ كل جهاز غير مُدرج رقمه التسلسلي في النظام المعلوماتي الجديد، لن يتمكّن حامله من استخدامه وتفعيل خطه الهاتفي على شبكتي «ألفا» و«تاتش».
بحسب الباحث التكنولوجي في SMEX، راغب غندور، فإنّ الرقم التسلسلي للهاتف مؤلّف من 15 رقماً، ويرتبط مباشرة بخاصيّة التعقّب. وهو يتضمّن مجموعة من المعايير المسؤولة عن تحديد الهاتف، كبرنامجه التشغيلي ورقم إصداره وغيره. وأوضح أن شركات تشغيل الاتصالات تستخدم رقم IMEI لتحديد الأجهزة الشرعية من المسروقة، «وعندما تحدّد إحدى شركات التشغيل أنّ الهاتف مسروق، يمكنها تعطيله وعدم تفعيله على شبكة الهاتف المحمول من طريق وضع رقم IMEI ضمن القائمة السوداء، سواء أغيّر صاحب الهاتف شريحة الاتصال (SIM) أم لا».
إلّا أنّ ربط الرقم التسلسلي للجهاز برقم الخط الهاتفي للمُستهلك في النظام المعلوماتي الجديد يطرح مخاوف عدة تتعلّق بخصوصية البيانات الرقمية لحاملي الهواتف. وتوضح مصادر متابعة أنّ كل البيانات الرقمية مكشوفة سلفاً أمام موظفي وزارة الاتصالات وشبكتي «تاتش» و«ألفا»، «إلا أن الواقع الجديد يضع هذه البيانات في عهدة الشركة الجديدة المُشغّلة للنظام أيضاً. وهو أمر يُثير مخاوف من انتهاك خصوصية المُستهلكين»، مُتسائلة عن الضمانات التي تُقدّمها هذه الشركة لحماية الخصوصيات الشخصية، لجهة تحصينها من الثُّغَر الأمنية وعدم السماح باختراق نظامها والحصول على أرقام الـIMEI المرتبطة بأرقام هواتف المُشتركين.

خصوصيات المشتركين
غندور يؤكّد أن لا حاجة فعلية لربط الرقم التسلسلي (IMEI) بأرقام هواتف المُشتركين وهوياتهم الشخصية «إذ يمكن الدولَ وشركاتِ التشغيل، لمكافحة تهريب الهواتف المحمولة، التحقّق من سجل تحديد هوية المعدات EIR الفعلي لأرقام الرقم التسلسلي المُسجّلة». ونبّه إلى أن السياسة الجديدة لوزارة الاتصالات تزوّد الجهات القيّمة على ملف الاتصالات بالقدرة على ما هو أكثر من مجرد تعقّب هواتف مُهرّبة، لأنه إذا كان كلّ من «الهوية الدولية لمشتركي الجوال» (IMSI) و«الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة» (IMEI) وأرقام هواتف المشتركين مرتبطة بهويات المواطنين والمقيمين، «يمكن تلك الجهات تتبّع الأجهزة وربطها بأصحابها تماماً».
اشترت الوزارة عام 2013 نظاماً لمكافحة التهريب بمليون دولار ثم أوقفت العمل به


إلى ذلك، من شأن النظام الجديد أن يُصعّب على المُستخدمين تبديل الهواتف بسهولة لحماية خصوصياتهم، «وهو أمر مهم للصحافيين والناشطين»، على حدّ تعبير غندور، لافتاً إلى أن هذه السياسة «تسهّل عمليات البحث بهدف الاستغلال، وكذلك استهداف جهاز معين بالاستعانة بأحد المحترفين، لأنّ رقم IMEI يكشف الكثير من الميزات التقنية للجهاز. وبناءً عليه، تستطيع الحكومة التي تمتلك موارد كافية استخدام هذه الأرقام لفرض عمليات مراقبة أكثر استهدافاً».
يذكر أنّ وزارة الاتصالات سبق أن اشترت، عام 2013، حلّاً تقنياً من شركة «INVIGO» لمكافحة تهريب الهواتف، كلّف أكثر من مليون دولار، وعُمل به لمدة 9 أشهر فقط ،قبل أن يوقفه الوزير السابق بطرس حرب. وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أنّ الوزارة كانت قادرة على إعادة استخدام النظام القديم بدل صرف الأموال على شراء تقنية جديدة.
المصادر لفتت إلى أن مكافحة التهريب هي من صُلب عمل مصلحة الجمارك، لا مُشغّلي الاتصالات. فيما تشير مصادر في الجمارك إلى أنّ الواردات الجمركية الناجمة عن الهواتف الخلوية ارتفعت 20 مرّة بين آب 2017 وآب 2018 (أي قبل دخول النظام الجديد حيّز التنفيذ) «بسبب استحداث وحدة مراقبة القطاع الخليوي في الجمارك».

تعزيز الاحتكار
ومن شأن الإجراء الجديد تعزيز الاحتكار عبر حماية الوكالات الحصرية، ما يرفع السعر تلقائياً على المُستهلكين. إذ إن النظام الجديد لن يسمح للمُقيمين في لبنان بتشغيل الهواتف التي يشترونها من الخارج أو من البائعين المحلّيين من غير أصحاب الوكالات الحصرية، من دون دفع رسوم إضافية، ولو كانت للاستعمال الشخصي. إضافة إلى أنّ الهواتف الجديدة «الشرعية» ستتضّمن حكماً رسوماً جمركية ترفع من سعرها. فلماذا يجب تكبيد المُشتركين عبء «شرعنة» هاتف يشترونه من الخارج بدل محاربة التهريب في مصادره المعروفة جيداً، والتي تحظى في غالبية الأحيان بحماية أمنية وتغطية سياسية؟