«كيف يمكن الأفق والموج أن يشكلا عقاراً خاصاً؟»، سأل رئيس بلدية المينا عبد القادر علم الدين. أوضح أن بلديته تنبّهت عام 2016 لوجود «عقار وهمي» مسجّل في الصحيفة العقارية. «وعندما عاينّا المكان تبيّن لنا أنه في البحر»! لافتاً إلى «أننا تقدّمنا باعتراض أمام القضاء، وحتى اللحظة لم يُبَتّ في الدعوى».«مُسطّح مائي تبلغ مساحته نحو 30 ألف متر مربع، ويبعد عن كورنيش المينا البحري أكثر من سبعة أمتار». هذه هي مواصفات «العقار الخاص» الذي يزعم أفراد من آل شبطيني ملكيتهم له، مطالبين باستعادته بعد إسقاطه من أملاكهم الخاصّة سهواً.
تعود القضية إلى ستينيات القرن الماضي عندما تقدّم ورثة مالكي الأراضي المحاذية لـ«العقار المزعوم» بطلب إعادة البحر إليهم بحجة وجود خطأ مادي أسهم بإسقاط المساحة من أملاكهم الخاصة، بعد نحو 30 عاماً على أعمال تحديد منطقة المينا وتحريرها وتصنيف هذه المساحة ضمن الأملاك العامة البحرية (تعريف الملك العام يشمل البحر والرمول وكل منطقة يصل إليها فقش الموج وفق القرار 1925). حينها، رُدّت دعاوى الورثة بدايةً واستئنافاً لغياب أي خطأ مادي، وانتهت القضية بأحكام مبرمة مع صدور حكم محكمة النقض عام 1987. إلا أن الورثة دأبوا، منذ عام 1988، على مراجعة وزراء الأشغال العامة لـ «يحصلوا منهم على ما لم يحصلوا عليه في القضاء، لا بل خلافاً لأحكام القضاء المبرمة»، على حدّ تعبير «المفكرة القانونية». وفيما رفض وزير الأشغال الأسبق عمر مسقاوي ادعاءات الورثة، طلب الوزير غازي العريضي، مرتين، تسجيل المساحة على أسماء الورثة من دون أي تعليل. وبعدما أوقفت وزيرة المال السابقة ريا الحسن طلب العريضي عام 2010، توجه الأخير في المرة الثانية عام 2013 إلى قاضٍ متقاعد (القاضي الذي أشرف على عملية الضم والفرز في الميناء)، وطلب منه اتخاذ قرار بنقل المساحة إلى ملكية الورثة الخاصة. وبذلك خرجت المساحة من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، رغم قرار هيئة الاستشارات والتشريع قبل 26 عاماً بعدم جواز المسّ بهذا العقار نتيجة صدور أحكام قضائية مبرمة.
هذا «السطو المقونن» على بحر المينا هو اليوم موضع شكاوى واعتراضات مُقدّمة أمام القضاء المختص من قبل كل من بلدية المينا وجمعية «الخط الأخضر» وناشطين من «الحملة المدنية لحماية شاطئ المينا» بالتعاون مع «المُفكرة القانونية» التي عقدت، أمس، مؤتمراً صحافياً بعنوان «معاً لاسترداد 30 ألف متر من بحر المينا: أي دور للنواب في حماية الأملاك العامة»، بحضور النائبين أسامة سعد وبولا يعقوبيان ورئيس بلدية المينا، من أجل «نقل القضية إلى الفضاء العام»، ولـ«تحميل القوى السياسية والنواب مسؤوليتهم الرقابية في حماية الأملاك العامة».
المدير التنفيذي لـ «المفكرة» المحامي نزار صاغية، أشار إلى أنّ الاعتراضات أدت حالياً إلى تجميد العقار ومنع إجراء أي قيد عليه في انتظار البت فيها، مهاجماً وزارة الأشغال «التي تحوّلت من حامٍ للأملاك العامة، إلى حامٍ للجهة التي استولت عليها». وطالب الوزارة بـ «التسليم بأن المساحة المستولى عليها هي ملك عام بموجب أحكام مبرمة وملزمة، والقيام بكل ما هو ضروري لاستعادة هذا الشاطئ وحماية ما اؤتمنت عليه». ولفت صاغية إلى أن «ما يميز هذه القضية عن بقية الاعتداءات الحاصلة على الشاطئ، مسألة نقل ملكيتها، وليس وضع اليد كما هي الحال في بقية الاعتداءات».
الاعتداء على الملك العام البحري ناجم هذه المرة عن نقل الملكية وليس عبر وضع اليد


من هم الورثة؟ وفق علم الدين، هم أفراد يملكون أسهماً في عقارات محاذية في المينا. فيما لفت أحد الحاضرين في المؤتمر إلى أن منزل الرئيس نجيب ميقاتي يبعد أمتاراً قليلة عن العقار المزعوم.
علم الدين شدّد على أن نقل الملكية «غير قانوني بحد ذاته. إذ يحتاج تحويل الملك العام إلى ملك خاص بلدي ومن ثم بيعه، وهو ما لم يحصل في هذه القضية»، لافتاً إلى أن القيمة المقدرة للمساحة المذكورة تبلغ نحو 100 مليون دولار!
وفيما اعتبرت يعقوبيان أن هذه القضية «ليست إلا عيّنة صغيرة مما يحصل على طول الشاطئ اللبناني، وهي نتاج الخلل المستمر لآلية مقاربة الملك العام والمال العام»، دعا سعد إلى «مواجهة سلوك استباحة الأملاك العامة في ظل توجه القوى السياسية إلى إرساء الخصخصة وتهميش القطاع العام»، لافتاً إلى أنّ قضايا الأملاك العامة البحرية، كغيرها، تخضع لاعتبارات المحاصصة وغالبية القوى السياسية متورطة فيها».
والى حين البت في الاعتراضات، يبقى تخوّف الناشطين والمهتمين بالملك العام البحري مشروعاً نظراً للتداعيات التي تثيرها القضية لجهة فتح شهية المُستثمرين في المنطقة على ردم البحر واستكمال مسارات التعدي الموجودة على طول الشاطئ اللبناني.