كان لزامًا عليّ أن أخطّ هذا المقال منذ وفاة المناضل الشيوعي الكاتب والأديب والصديق العزيز ميخائيل عون منذ حوالي شهر. لكن، وبما أن ذكرى أربعينه قد اقتربت، أجيز لنفسي القول إنه عندما يقرأ إنسانٌ كتبه وأروعها «أكواخ من فولاذ» و«عندما انتحر الأبجر» و«رئيف خوري الشاعر والناقد»، وآخر كتاب له قبل وفاته مرافعة، دفاعًا عن ستالين، يرى شعاع الثورة على التعصّب الديني والتخلف المذهبي اللذين باتا، بصورهما الشّنيعة الفئوية والعنصريّة، فولكلورًا وكرنفالًا مدرجين ضمن التقاليد اللبنانية الى جانب الأوف والدلعونا والميجانا والهوارة، يومض في عينيه، ويغزو كل قسمات محيّاه. ذات يومٍ في منزله الكائن في منصورية المتن، بادرني بالقول: إنّ المال لا يصنع إلّا أكفًا تصفّق وحناجر تهتف لأمراء طوائف، علّموا جماهيرهم فنون كتابة الشعارات الطائفية، وفنون الترويج لها. الطائفي يا رفيق، جاهل، والجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديقًا للآخرين، ومحبوبته الطائفية باتت لشعاراتها البذيئة المنافية للحشمة والمخلة بالآداب العامة، أندية في لبنان روّادها كُثُرٌ جدًا، وسبق لشاعر القومية العربية الياس فرحات، ابن بلدة كفرشيما، أن حذّر من مخاطر التعصّب الديني عندما قال إن التعصّب للمذاهب شرّ ما أورث أمّتنا الزمان الفاسد، منه لأبناء البلاد مصائب شتّى وللمستعمرين فوائد. وعاد ذات يومٍ ربيعيّ ليقول لي، كيف يكون شعب لبنان عظيمًا، وبعض أطيافه ما زالت منذ العام 1989 ترفض تحرير المادة 95، زينة الدستور اللبناني الناصّة على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية، من أسرها الكائن في سطرٍ قابعٍ في صفحةٍ من صفحات هذا الدستور ليتوقّف رضّعنا عن إرتشاف الحليب الطائفي؟كيف تسمح بعض الجهات لنفسها بمنع تلك الهيئة من تحقيق هدفها الرامي الى استئصال ذلك الورم السرطانيّ، الطائفيّة، من النفوس قبل النصوص مع أنها تعلم أن إنجاز تلك المهمة تستلزم أكثر من عشر سنوات. متى تعلم بعض الأطياف، بأن الطائفية جنون وخبل وعته وفصام عن فلك التآخي بين الشعوب، وأميّة متأصّلة في نفوسها، الواجب محوها فورًا لأنها لا تجلب للبلاد الا الفتن وأفانين العداوات والتطاحن العبثي المجاني، وتمنع توحيد فروع الجامعة اللبنانية، بعدما باتت فرعين: فرع أوّل مسلم وفرعٌ ثانٍ مسيحي؟ متى نحضر حفلات زفاف مارون على فاطمة ومحمد على ريتا إن دينيًا أو مدنيًا إكرامًا لمقولة الياس فرحات ايضًا، وأزفف بناتك للمؤمنين/وعابدي الأصنام، واقرن بهذا الجبل بطرك تابعي عيسى/ بشيخ مشايخ الإسلام، حتى إذا نفث السمّ تعصّبه/منعت آذاه وشائج الأرحام.
ولأن ميخائيل عون يؤمن بأن الإنسان القديم وجد قبل الأديان بـ 25 ألف سنة وبأن الأديان أساسًا وُجدت لتوحّد القلوب ولتنشر المحبة التآخي والمساواة والعدالة الإجتماعية بين الشعوب، وهي ليست قبائل وعشائر وأحزاب وجمعيات، نعاهد جرأتك وصراحتك يا رفيق ميخائيل، بأننا سنبقى نقاوم شرور الطائفية وخلاياها النائمة وقنابلها الموقوتة، حتى تحطيم آلات ترانيمها الشيطانية بمطارق وفؤوس ومعاول عمّالنا في أروع المدن وأجمل الدساكر.