«حمام الجديد» في صيدا عمره أكثر من قرنين، لكنه آخر الحمّامات التي شيدت في البلد القديمة وأكبرها حجماً. بحلول عام 2020، سيستأنف «حمّام الجديد» استقبال الزوّار بعد إعادة تأهيله، ولكن كـ «مركز للإبتكار الثقافي والفني»، وفق مبادرة أطلقتها «مؤسسة شرقي للتنمية والإبداع»، في إطار فعاليات «صيدا مدينة رمضانية» التي تُجرى هذا الشهر.
(تصوير علي حشيشو)

فكرة تجديد الحمام خطرت لرئيس المؤسسة سعيد باشو أثناء تأهيل القسم الذي كان يستخدم كفرن لتسخين مياه الحمام وتحويله إلى مقهى. أما الحمام نفسه الممتد على مساحة تفوق مئة متر، فبقي مقفلاً على الإهمال والنفايات. إذ إن آخر شاغلي الموقع الذي تملكه الأوقاف الشرعية السنية، حوّلوا قسماً منه إلى منشرة أخشاب وقسماً آخر إلى محل لبيع الألبان والأجبان، قبل أن يقفلوه نهائياً.
عام 1814، شيد مصطفى آغا حمود الحمام ليتوج الحمامات المنتشرة في أحياء صيدا القديمة. اكتسب اسمه «الجديد» لأنه كان الأحدث بين الحمامات والأضخم حجماً والأكثر بذخاً على الزخارف والأرضيات والجدران، إنشاء وتزييناً. بعد 205 سنوات، صمدت الأبيات الشعرية التي نقشها حمود فوق المدخل: «أقام الحمام خير ماجد من آل حمود ثواباً، وفاض منه في كل جمعة إن طال خير وأدامه». لكن كثيراً من القيم العمرانية طمستها آثار الزمن والتدخل العشوائي من طلاء الجدران المزخرفة بطبقة من الإسمنت والألوان، إلى سد بعض النوافذ بالحجارة.
عمر حيدر، الباحث التاريخي والمرمم الذي يشرف على إعادة تأهيل الحمام، أوضح أن حمود لم يكتف بتقليد الطراز العثماني في بناء حمامه. بل استعان بمعماريين مغاربة بثوا ثقافتهم عبر الرسومات التي نقشت بها الجدران.
كان الأحدث بين الحمامات والأضخم حجماً والأكثر بذخاً وزخرفة

أما الأرضيات الرخامية، فقد تأثرت ألوانها بالصحراء والخيول والتراب. لكن الطراز العثماني استحكم بالأقسام الرئيسية. من القباب المدورة المغطاة بقطع زجاج ملونة تدخل عبرها أشعة الشمس بألوان زاهية، إلى النافورة الرخامية التي تتوسط قاعة الإستقبال والمصطبات الصغيرة للإنتظار المؤدية إلى ثماني غرف الإستحمام، والمقرنصات والخورنق.
ورشة تنظيف الحمام من النفايات وبقايا الركام استلزمت ستة أشهر. أما ورشة ترميمه فيعوزها أشهر طويلة من البحث عن الأساليب العمرانية في القرن الثامن عشر لإحياء الحمام على صورته الأصلية بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار.

(تصوير علي حشيشو)