ما هي الوظائف التي يعمل بها النازحون والعمّال السوريون؟ وهل كان يشغلها لبنانيون «طردوا» منها، لاستبدالهم بيد عاملة أرخص؟ وإلى أي حدّ يرتبط ارتفاع نسبة البطالة المحلية بارتفاع أعداد العاملين الأجانب؟ والأهم، إذا غادر كلّ السوريين - عمّالاً وعائلات ونازحين - لبنان غداً، هل يشهد الاقتصاد نقلة نوعية نحو التعافي؟ أم ستتكرّر أزمة ما بعد 2005 عندما تقلّصت أعداد الأيدي العاملة السورية جرّاء التصرفات العنصرية والاعتداءات ضد أفرادها؟يبدو طرح هذه الأسئلة مُلحّاً مع ارتفاع الاجراءات المُتخذة بحقّ العمال السوريين، مترافقة مع ضغوط سياسية وحملات شعبية لم تعد تُميز بين واجب تنظيم العمالة الأجنبية وتطبيق القانون، وبين الخطاب العنصري الذي يحوّل النازحين «مُحتلين» و«أعداء» للبنانيين، من دون إقامة اعتبار لخطورة هذا الخطاب على المستويات كافة.
السبت الماضي، أطلق قطاع الشباب في التيار الوطني الحر «حملة توعية»، غايتها «الحثّ على العودة الآمنة للنازحين السوريين». تحت هذا الشعار، سُوّق للتحرك على منصات «التيار» الاعلامية. من أمام مركزية «التيار» في «ميرنا الشالوحي»، انطلق شباب الحزب نحو محال ومطاعم في ضواحي منطقة الجْدَيدة حيث يعمل شبان سوريون. الهدف «تعريف أصحاب المحال على قانون العمل اللبناني» الذي يمنع توظيف سوريين إلا في قطاعات البناء والزراعة والتنظيفات. جرى الانتقال إذاً من «تنظيم العمالة» إلى الضغط على أصحاب العمل لصرف العمال السوريين حصراً، من دون توضيح كيف سيؤدي ذلك إلى دفعهم لمغادرة البلد. كان ذلك التحرك الأول، «وستكون لنا جولات أخرى»، يقول نائب منسق قطاع الشباب إيلي أبي رعد، مؤكداً أنّ «أساس التحرك القيام بحملة توعية للبنانيين غير المطلعين على القانون، وتقديم إخبار للوزارات المعنية لتقوم بعملها».
تصف وزارة العمل الحملة العونية بالمناورة السياسية


يُشكّل النزوح السوري في لبنان عامل ضغطٍ كبير على قطاعات المجتمع كافة. الأعباء ليست محصورة بـ«شارع» مُعين، أو طائفة دون أخرى. جميع القوى السياسية تتحدّث عن «أزمة» يجب إيجاد حلّ لها. الاختلاف هو على شكل هذا «الحلّ»، خصوصاً أنّ قوى عدة، أولها رئاسة الحكومة، لا تزال تُكابر في الامتناع عن التواصل مع الدولة السورية، المعنية الأولى بالمسألة. و«تُساير» رئاسة الحكومة في هذه المكابرة، أحزاب وتيارات أخرى تحصر التواصل مع دمشق بالإطار الفردي، حفاظاً على التسوية الداخلية. تناول موضوع النازحين لا يتمّ إلا من خلال وجهتي نظر تُفرغان الموضوع من جوهره. الأولى «تجنح» إجمالاً الى تبني خطاب عنصري ضد السوريين، ظنّاً منها بأنّها بهذه الطريقة تضغط على «المجتمع الدولي» وعلى العائلات النازحة للعودة إلى بلدها. يؤدي هذا الأسلوب إلى وجهة النظر الأخرى التي تحمل لواء القيم الانسانية ورفض العنصرية. الاثنتان تلغيان كلّ نقاش موضوعي وعلمي.
حين قرّر التيار الوطني الحرّ إطلاق حملته، اعتبرها البعض «مزايدة» على خطة وزارة العمل في ما خصّ تنظيم العمالة. حاول المعترضون إيصال رسالة إلى المعنيين في «التيار» بأنّ الحملة لن تتمكن من تحقيق هدفها، نظراً إلى غياب إمكانية تنفيذ التيار تحركات مماثلة في مناطق عدّة، وبسبب ضغوط الجهات التي تريد فرض إبقاء النازحين في البلدان المضيفة. في النتيجة، لن يؤدي الأمر سوى إلى خلق بيئة معادية للسوريين وارتفاع التوتر بما قد يؤدي الى انفلات العنف بين أبناء المجتمعين. وفي المقابل، سيعتبر العامل الذي حُرم من مورد رزقه، بهذه الطريقة المُعادية له، أنّ هناك من مسّ «بحقّه»، وسيشعر بمظلومية تجعل سهلاً اختراقه وتوجيه حركته. المعترضون يأخذون على «التيار»، أيضاً، أنّ واحداً من أهداف الحملة حاجته إلى «خلق قضية» يشدّ من خلالها عصبه في «الشارع المسيحي»، وتكون عنوان معاركه المقبلة.
ترفض مصادر رسمية في «التيار» ذلك، واضعةً ما يحصل في إطار «الدفع لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم»، وتؤكد أن «لا حلّ سوى بالحوار مع دمشق». تُدرك المصادر خطورة لعبة الشارع وإمكان أن يؤدي ذلك إلى العنف، لكنها تشدد على «أننا لسنا عنصريين. وفي كلّ المناطق هناك انزعاج من المزاحمة في سوق العمل، لذلك نحن لا نقوم بأي مزايدات سياسية». كما تنفي أن يكون تحركها لقطع الطريق على خطة وزير العمل كميل بو سليمان. إلا أنّ ما يُنقل عن أوساط وزارة العمل مُخالف تماماً، لجهة وصفها الممارسات في الشارع بـ«العنصرية»، وبـ«مناورات سياسية». وتُضيف أنّ الوزارة «مع إيجاد حلول طويلة الأمد، تأخذ في الاعتبار مصالح اللبنانيين، وفي الوقت نفسه حاجات السوق، من خلال تطبيق القانون»، مؤكدة أن الوزارة العمل «وحدها صاحبة الصلاحية في إقفال المحال، وليس أي فريق آخر».