في كل مرة يبتلع فيها مشروع عقاري إرثاً عمرانياً يُستعاد النقاش حول حماية هذا الارث... ولكن من دون نتيجة. شيئاً فشيئاً «يتآكل» تراث بيروت تحت نظر الجميع، فيما لا نتيجة ترتجى، على ما يبدو، من كل هذا النقاش، بما يسمح بالوصول الى تدبير حمائي أو إطار قانوني ينقذ ما تبقى من معالم ذات طابع أثري أو تراثي من سطوة المضاربات العقارية.آخر فصول هذه السطوة يحدث، الآن، في منطقة عين المريسة، ويتعلق ببقايا مبنى تراثي «منفرد» يعود بناؤه إلى القرن التاسع عشر. بحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، أجازت بلدية بيروت لصاحب العقار الواقع إلى جانب «المينا»، الدمج الهندسي بين برج حديث قيد الانشاء وبين قوس يمثل «جزءاً من بناء تراثي شُيد أواخر القرن التاسع عشر»، وفق تصنيف رسمي أكدته المهندسة المعمارية منى الحلاق. إلا أن التصميم الأولي يبيّن أن عملية الدمج تقضي بتشييد مبنى حديث يفيض بالباطون فوق القوس، ليصير الأخير واجهة مدخل البناء الصّلف. وهي طريقة دمج تعترض الحلاق على آليتها «غير المقبولة» من الناحية الهندسية، باعتبار أنها «لا تحترم قيمة البناء التراثية». إذ «أفضّل أن يهدم على أن يتم دمجه بهذه الطريقة»، تقول المعمارية، مشيرة الى أن «تدارك الأمر ممكن متى تمت إعادة النظر في طريقة الدمج».
مسؤول وحدة ترميم الأبنية الأثرية والتراثية في المديرية العامة للآثار، خالد الرفاعي، قال إن المديرية طرحت هذا الخيار أمام المهندس المكلف متابعة المشروع «ضمن مجموعة حلول أخرى هادفة إلى الحفاظ على المنشأة التراثية» التي يشدد على تسميتها بـ«قبو لا تتعدى مساحته خمسين متراً». ويؤكد أن الحلول المتوفرة وُضعت كذلك لإنصاف المستثمر الذي بقيت هويته مجهولة. إذ أن «القبو منعزل ضمن محيطه المعماري، لكنه يتوسط تماماً عقار المستثمر المتضرر من انخفاض قيمته». ومن الخيارات المطروحة «تفكيكه وإعادة تركيبه لاحقاً في بقعة أخرى». لكنه يشدد على أهمية أن تشرف الجهات المسؤولة على تنفيذ أي من الخيارات «لضمان حفظ القبو»، إذ إن «عمل المديرية محصور بمسح الموقع واقتراح التدابير المتعلقة بتصنيفه وحمايته»، ولا يتضمن «متابعة أعمال البناء بعد حيازة المستثمر على الترخيص الذي يجيز له حرية التصرف التامة بالعقار». وهو ترخيص يصدر عن بلدية بيروت التي يبدو أنها شرعنت البناء من دون النظر في تبعات طريقة الدمج المطروحة.
عملية الدمج تقضي بتشييد مبنى حديث يفيض بالباطون فوق القوس


بين ما تعتبره الحلاق «قوساً» وما يسميه الرفاعي «قبواً»، ترى أستاذة التخطيط المُدني في الجامعة الأميركية في بيروت، منى فواز، أن هذه الطريقة (للدمج) تسهم في تحويل التاريخ إلى «مهزلة» في ظل «غياب أي مقاربة علمية متكاملة للآثار وللإرث الثقافي تسمح بالحفاظ عليه». اعتراض فواز يشمل أيضاً الناحية الهندسية التي لا تلحظ معايير، وقائية أو علاجية، للحفاظ على أي منشأة أثرية.
«عندما تصبح بقايا معلم من هذا النوع منعزلة بهذا الشكل، ثمة أساليب للتعامل معها كفكّها وإعادة تركيبها على أيدي اختصاصيين» في حال وجدت في مكان عام مناسب. إلا أن تشويهها بالشكل الذي أظهرته الرسومات الهندسية التي جرى تداولها للمبنى الجديد «لا يجوز»، توضح فواز.



«الدمج وإعادة الدمج»
المرسوم رقم 3058 المتعلق بـ«دمج وإعادة دمج الآثار غير المنقولة» (2016/3/12) الصادر في عهد وزير الثقافة الأسبق روني عريجي، هو الإطار القانوني الوحيد الذي يحمي المباني التراثية «المنعزلة»، في حال شكلت المكتشفات «أهمية على الصعيد التاريخي والتراثي والأثري». أما بنوده، فأغلبها يتعارض مع آلية الدمج المقترحة لإعادة دمج مبنى عين المريسة، علماً أن البند (د) في المادة العاشرة منه يشترط على مالك العقار «تأمين مدخل خاص للآثار المدمجة أو المعاد دمجها منفصل عن مدخل البناء».