للمرة الأولى، يسقط قرار رئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني ومن ورائه تيار المستقبل الذي ينتمي إليه، في المجلس الذي هندسه بنفسه. وحتى يحفظ ماء وجهه ووجه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي التقاه صباح أمس، بدأ الجلسة الأسبوعية بالقفز فوق بند دفتر شروط المحرقة، عبر البدء بالبند الأخير من جدول أعمال الجلسة. وما إن وصل الى المحرقة أي البند الثاني، حتى فضّ الجلسة طالباً تأجيل بتّه الى وقت لاحق؛ لا لشيء سوى أنه وجد أن الأكثرية التي عوّل عليها لإقرار الدفتر، اندثرت لعدة أسباب؛ أهمها الضغط الشعبي واعتراضات الأهالي ورفض ميتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة لها، متهماً عيتاني بتقاضي الأموال. هكذا كان دفتر شروط المحرقة سيسقط لو عرض، وخصوصاً بعدما تبيّن أن الموافقة المشروطة التي كان سيعتمدها البعض للتصويت (سليمان جابر وأنطوان سيرياني وجو طرابلسي وخليل شقير وغيرهم) تعد بمثابة رفض، ما يعني أن نصف المجلس رافض لدفتر الشروط كما هو. وحتى لا يخسر الريّس مجلسه ومحرقته في آن، تذرّع بطلب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تأجيل بتّه الى حين إعادة درس الدفتر أكثر. وكان النائب نقولا صحناوي قد أعلن هذا الموقف عبر «تويتر» قبيل انعقاد الجلسة، فيما آثرت القوات اللعب على الحبلين، فخرج العضو القواتي راغب حداد إثر فضّ الجلسة ليقول إن القوات لم تطلب إرجاء بتّ دفتر الشروط. وحداد هنا كما الناشطون المعتصمون تحت المبنى البلدي في وسط العاصمة «مغرر به». ففي حين كانت إحدى الناشطات تصرخ عبر مكبر الصوت مشيدة بموقف القوات المعارض لإقامة محرقة، كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يدعو في افتتاح «مؤتمر صناعة قوية لجمهورية قوية» بلدية بيروت الى إعادة النظر في بعض الشروط المرتبطة بمعمل التفكك الحراري «من أجل أن يصبح مستوفياً للشروط المطلوبة». إذاً القوات مع المحرقة أو معمل التفكك الحريري كما يطيب لجعجع ورئيس البلدية تسميتها، ولكنه يتكل كما في كل مرة على ذاكرة البعض الضعيفة لوضع «رِجل بين المعتصمين المعارضين لتسميم العاصمة وسكانها، ورِجل أخرى بين رجال السلطة المتوافقين على إمرار الصفقة ولو مقابل صحة المواطنين». وفي النهاية، تمسك عيتاني بحبل نجاة القوى السياسية لانتشال نفسه من الورطة وإبقاء المحرقة خياراً قائماً، متكلاً بالطبع على «مونة» الحريري على التيار والقوات.ارتباك رئيس مجلس بلدية بيروت بدا واضحاً في التصريحات التي سبقت الجلسة. حاول عيتاني طمأنة البيروتيين وتخفيف النقمة عليه، فكشف عن فوقية في التعامل مع المناطق الطرفية. يقول الريّس وفق ما صرّح لإحدى الإذاعات، إنه يمكن «إنشاء المحرقة في عكار أو بعلبك أو على الحدود»! بمعنى آخر، يريد رئيس بلدية بيروت رمي نفاياته السامة على أهل بعلبك وعكار على اعتبار أن صحة الفقير المهمش أرخص من صحة سكان العاصمة، ويمكن «رشوتهم» ربما ببضعة ملايين للإنماء كما وعد الحريري أهالي عكار سابقاً. رد الحراك المدني العكاري في بيان، محذراً عيتاني من اللعب بنار المحارق: «عكار ستحرق كل من تسوّل له نفسه تلويث بيئتها والاستخفاف بشعبها».
لعبت القوات على حبلين، فوضعت رِجلاً عند المعارضين للمحرقة ورجلاً عند المتوافقين على الصفقة


على مقلب المعتصمين أمام مبنى البلدية في وسط العاصمة، حالت الخلافات دون الاعتراض كجسم واحد. فاختار حزب «سبعة» الاعتصام في وسط الطريق، فيما تجمع الباقون، أي النواب بولا يعقوبيان ونديم الجميل والياس حنكش، إضافة الى ائتلاف إدارة النفايات والمرصد الشعبي لمكافحة الفساد وتحالف لوطني وغيرهم، على الرصيف المحاذي لهم. ربما يعود الأمر الى خروج يعقوبيان من صفوف «سبعة»، غير أن ذلك لا يبرر «تشويش» الحزب على المعتصمين وخصوصاً عند حديثهم الى الإعلاميين. فكان «السبعاويون» يشغّلون مكبرات الصوت التي تصدح بالأغاني فور بدء النواب بالحديث الى وسائل الإعلام، وذهب أحد الناشطين في «سبعة» أبعد من ذلك لاستمالة الأنظار، طالباً من رفاقه الهجوم لاقتحام البلدية. لم يلبّه سوى اثنين، فيما بدأ الآخرون بالركض الى الخلف لتلافي إشكال مع العناصر الأمنية التي أقفلت الطريق بالعوائق الحديدية. إلا أن الحزب البنفسجي لم يستسلم، رغم أن الساحة كانت مفتوحة لعرض وجهة نظره منذ ساعة ونصف ساعة. إذ آثر الآخرون البقاء في ساحة سمير قصير لمدة طويلة قبيل الانتقال الى قرب المبنى البلدي. لكن لدى شرح الخبيرة في «السلامة البيئية» في الجامعة الأميركية في بيروت سمر خليل سبب رفض المحرقة وتطرقها الى طبيعة النفايات في لبنان (65% مياه) التي تحول دون إنتاج الطاقة وتوصيتها بمطامر بيئية على الطريقة السلوفينية، قاطعها أحد ناشطي «سبعة» بالقول: «يا دكتورة ما بدنا محاضرات». وما هي إلا ثوان، ليمرر مكبر الصوت الى زميلته لتبدأ بتعداد أسباب رفض المحرقة وتخبرنا عن «نضالات» الحزب منذ 6 أشهر لمنعها.