«طلب الأمن العام تسديد نحو 15 مليون ليرة لتسوية وضع عامل سوري واحد، كما بات عليّ تشغيل 50 عاملاً لبنانياً لتسوية أوضاع 14 عاملاً سورياً. هذا غير مقبول. عندها سأضطر إلى بيع كيس البهار بـ 50 دولاراً». هذا ما قاله صاحب مصنع للبهارات، أمس، على هامش مؤتمر صحافي عقده «تجمّع صناعيي الشويفات وجوارها». إذ كما كان متوّقعاً، بدأت أصوات أصحاب العمل تعلو جرّاء تداعيات خطة وزارة العمل لـ«مكافحة العمالة الأجنبية غير النظامية» التي تُرتّب عليهم تسوية أوضاع عمالهم الأجانب، بعدما جنوا أرباحاً، لسنوات طويلة، على حساب هؤلاء عبر الامتناع عن التصريح عنهم لدى إدارة صندوق الضمان الاجتماعي والاستحصال على إجازات عمل شرعية لهم.«التجمّع» الذي يضم نحو 100 مصنع في الشويفات (من أصل 290 مصنعاً في المنطقة) طالب وزارة العمل والأمن العام بـ«إعطاء فترة زمنية ضرورية لغاية 6 أشهر لتتقدّم المصانع بتسوية لأوضاع العمال الأجانب لديها». ودعا إلى «خفض الرسوم وإلغاء الغرامات خلال فترة السماح لتخفيف المعاناة على الصناعة اللبنانية»، ودعا الضمان الاجتماعي إلى «تجميد العمل ببراءة الذمة خلال فترة التسوية والسماح»، مؤكداً أن الصناعيين «تحت سقف القانون ومستعدون للتجاوب، شرط أن يكون التنسيق مع كل الوزارات المعنية»، بحسب رئيس التجمّع كمال الرفاعي.
لم يخفِ الصناعيون خلال المؤتمر «الهلع» الذي سبّبته خطوة وزارة العمل. «لم يعد العمال يأتون إلى المصانع خوفاً من مداهمات وزارة العمل»، يقول أحد أصحاب المصانع شاكياً «فجائية الخطوة».
ولكن، ألم تكونوا مستفيدين من «فوضى» العمالة الأجنبية؟ «لا تُعالج الفوضى بالفوضى»، يجيب أمين سرّ التجمّع أسامة البزري، لافتاً إلى ضرورة اعتماد نظام يرضي جميع الأطراف. كذلك إن «السعي إلى الحفاظ على القدرة التنافسية للسلع في ظل غياب أي دعم لم يسمح لنا بتسوية أوضاع عمالنا»، وفق عضو الهيئة الإدارية في التجمّع وليد هلال. لذلك، هذه الخطوة ستبقى ناقصة ما لم تُستتبع بخطوات إصلاحية تطاول قطاع الصناعة. والمطلوب، بالتزامن مع خطوة تنظيم العمالة، «اتخاذ قرارات مصيرية لدعم الصناعة وحمايتها من الإغراق والتهريب».
وعلمت «الأخبار» أنّ إحدى الشركات الصناعية الكبرى في منطقة الشويفات رفضت المُشاركة في المؤتمر «لأنها تسوي أوضاعها مع النافذين، ولا تريد الدخول في مواجهة وزارة العمل»، بحسب مصدر في التجمّع أكد أن شركات عدة تلقى دعماً سياسياً يسمح لها بالتهرّب من تسوية أوضاع عمالها.
هكذا يبدو المشهد إذاً، في ظلّ نظام اقتصادي يقوم على الاحتكار ويهمّش القطاع الصناعي ويدعم «كبريات المؤسسات الصناعية»، وفق منطق المحسوبيات، تجد المؤسسات الصناعية المتوسطة والصغيرة لنفسها مبرّراً لعدم تسوية أوضاع عمالها، بحجة سعيها إلى ضمان بقائها. لذلك، إن رسالة المؤتمر المُبطّنة التي عبّرت عنها مداخلات الحاضرين، مفادها أنّ هؤلاء يعترفون بالتقصير مع عمالهم، لكنّهم يبرّرون سلوكهم بـ«التقصير الأكبر» من الدولة في حقهم.