كان متوقعاً أن تنفجر أزمة النفايات في الجديدة - برج حمود، فإذا بها تندلع في الكوستابرافا! القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة (بعد مطمر برج حمود) انتهت، وما يجري حالياً هو «ملء فراغات» ورفع مستوى المطمر في انتظار أزمة جديدة تعود معها النفايات الى الشارع، أو ايجاد حل، عشوائي وطارئ، كالعادة!يفترض أن تنتهي قدرة مطمر كوستابرافا الاستيعابية بعد عام في أقل تقدير! الا أن اتحاد بلديات الضاحية استبق الامر وحرّك الملف قبل الاوان، لكي لا يحصل تمديد لخطط الطوارئ وتوسيع المطمر مرة ثالثة… وقد نجح في ذلك. إذ ها هي اللجنة الوزارية المعنية تجتمع مرتين، في 24 ساعة، للبحث في الموضوع الذي لا ينفصل عن الخطة الوطنية المفترضة لادارة هذا الملف. لن يقبل احد بعودة النفايات الى الشوارع في المناطق التي تخدمها الخطة الطارئة، بما فيها الجهة المعترضة (تردّد أن اتحاد بلديات الضاحية سيمنح الحكومة شهرين إضافيين لإيجاد حلول جديدة كانشاء مطمر ثالث غير برج حمود والكوستابرافا)، طالما أن هناك قدرة على الاستيعاب لا تزال متوفرة. وبغض النظر عن الدوافع المحلية والمناطقية والمالية (خصوصاً)، التي يمكن الجزم أنها يمكن أن تكون محركاً كبيراً لكل ما يجري في هذا الملف (خصوصا أن البلديات التي قبلت بإنشاء مطامر في نطاقها خصصت لها مبالغ مالية كبيرة لم تحصل عليها كلها)... يبقى السؤال الأكثر الحاحاً: الى متى البقاء في هذه الدوامة من الحلول الطارئة والمكلفة على كل المستويات، البيئية والاقتصادية والصحية؟
الأزمة اليوم واقعة فعلاً في مناطق الشمال كما في مناطق الجنوب، مما يعني أننا عدنا الى النقطة الصفر على الصعيد الوطني في سوء ادارة هذا الملف وفي تدفيع اللبنانيين أكلافاً مضاعفة ليس من اجل الحلول، بل من اجل تمديد الأزمات من جيل الى آخر!
هذه الأزمات المتراكمة والمتفاعلة في أكثر من منطقة، يفترض أن تدفع - هذه المرة - الى السير في حلول يتزامن فيها الطارئ مع الاستراتيجي، علماً أن معطيات الازمة وظروفها لا تزال هي نفسها منذ عام 1997، تاريخ إقفال مكب برج حمود واعتماد خطة طارئة كان مطمر الناعمة ركنها الأساسي لأكثر من نصف نفايات لبنان (بيروت وجبل لبنان).
ليس أمام اللجنة الوزارية المعنية (واللبنانيين)، هذه المرة، سوى «خارطة الطريق» التي رفعها وزير البيئة فادي جريصاتي الى مجلس الوزراء في 3/6/2019. فهل هي كافية لحل المشاكل الطارئة في بيروت والمناطق والتأسيس لحل مستدام؟ وكيف يكون ذلك طالما أنها تستند الى «مسوّدة استراتيجية» لا تزال قيد النقاش، وتحتاج الى إعادة نظر في أسسها ومبادئها ومنهجياتها ومعطياتها واستنتاجاتها ومبررات خياراتها. وهي، حين اختارت مواقع لمراكز المعالجة سواء المطامر او المحارق، لم تبرر معايير اختيار هذه المواقع والتقنيات، وما اذا كانت فنية او مناطقية او طائفية… ام أنها كناية عن صفقات صغيرة مع مالكين او متعهدين يعملون او يطمحون للعمل في هذا القطاع المربح على يبدو! واذ لم تقر المبادئ والأولويات والأهداف التي كان يفترض أن تحددها الاستراتيجية، يمكن لأي كان أن يشكك في مدى جدية الخطط المقترحة و«خارطة الطريق» وفي شموليتها وعدالتها... لنعود مجدداً، كما بعد كل محاولة للتنظيم، الى المكبات العشوائية في المناطق، او الى مزيد من خطط الطوارئ البالغة السوء والى تمديدها وتوسيعها الى ما لا نهاية، او حتى نهاية آخر لبناني!
غياب هذه العناصر الاساسية لانجاح اي استراتيجية هو ما جعل مثل هذه الخطط، تاريخياً، محط انتقاد وتشكيك من قبل الخبراء المحايدين والناس. وهي، بالتالي، لن تنجح ببنيتها الهشة في أن تستعيد الثقة الشعبية المفقودة منذ تم التمديد للخطط الطارئة ومواقعها عام 1997.
اما الخطأ الشائع الذي ترتكبه وزارة البيئة، وبات يتبناه معظم القوى السياسية، أن خطط الطوارئ هي لأربع سنوات، وبعدها تأتي الخطط الاستراتيجية في انشاء المحارق (التي تحتاج الى هذه المدة للدراسات وانجاز دفاتر الشروط والتقييم البيئي والإنشاء والتشغيل)... وكأن هذا الخيار اصبح قدرا في لبنان. وهو خطأ يضاف الى أخطاء خطط الطوارئ والرهان على معامل الفرز والتخمير التي لا تخفف الا ما بين 3% و5% من النفايات لتذهب بعدها الى المطامر وتعجل في امتلائها كما يحصل الآن! وكأّن احدا لم يستفد من كل تجارب الماضي، وتجارب العالم، بأن التخفيف يأتي أولاً لأنه يخفف 30% من حجم النفايات قبل اللجوء الى اي حل آخر، وان الفرز من المصدر (وليس في المعمل)، بعد الجمع بطرق لا تعتمد الكبس، يساهم في تحسين طرق الاسترداد واعادة الاستعمال واعادة التصنيع… كما يساهم في تحسين نوعية التخمير بعد أن تضاف اليها منتجات اسواق الخضار وتشحيلات الطرق والبساتين والحدائق. فنتجنب الحاجة الى مزيد من المعامل على انواعها والى مزيد من المطامر التي لا بد من بعضها (في المراحل الاولى) ونتجنب بشكل كبير الحاجة الى المحارق الأكثر خطورة وكلفة.
يراهن البعض في وزارة البيئة، المعنية والمسؤولة أكثر من غيرها عن وضع هذه الاستراتيجية، على عدم جدوى اي تفكير عميق في الحلول، لا سيما خيار التخفيف من حجم النفايات الذي يتطلب ضرائب بيئية على السلع التي تتحول بسهولة او بسرعة او بكثرة الى نفايات للتخفيف من حجمها اولا. وهم يعتبرون أن مجرد حصول «توافق سياسي»، فإن اي خطة، مهما كانت سيئة، يمكن فرضها. هذا المنطق الذي يردده معظم السياسيين أيضا، ممن ذاقوا طعم السلطة، لم ينجح الا في انجاح الصفقات، وهو المنطق نفسه الذي تسبب في إفشال الحلول المستدامة المطلوبة بالحاح للخروج من أزمة زيادة النفايات.