بحسب منظمة «غلوبال فوتبرينت نتوورك»، استنفدت البشرية كل الموارد الطبيعية لهذا العام. واعتباراً من اليوم، ستعيش على الاقتراض، أي أبكر بشهرين مما كانت عليه الحال قبل عشرين عاماً. المنظمة غير الحكومية التي تصدر تقارير سنوية تحدد فيها «البصمة البيئية» لكل دولة، وللعالم عموماً، أكّدت في آخر تقرير لها صدر امس، أن «البشرية تستخدم الموارد البيئية راهناً بسرعة تفوق بنحو ضعفين قدرة الأنظمة البيئية على التجدد».لا يضيف هذا التقرير جديداً على التقارير التي بدأت بالصدور منذ بداية التسعينيات، حين ابتدع باحثون من جامعة كولومبيا الأميركية مفهوم «البصمة البيئية» التي تعني قياس مساحة الارض المطلوبة لتزويد السكان بالموارد بالهكتار، وقياس مدى تجاوز هذه المساحات في الاستهلاك. ومن هذا المفهوم، تم ابتداع مفهوم العدالة البيئية بين الشعوب والدول، نظرا لتفاوت أنماط الاستهلاك بين بلد وآخر وفرد وآخر. التقارير الاولى، كانت تشير الى اوروبا (لا سيما سويسرا) وأميركا كأكبر «بصمات بيئية»، وتؤكد أن نظام الحياة الغربي هو الأكثر استهلاكاً، وانه لو عاش كل سكان الكوكب مثل الاوروبيين والأميركيين، لاحتاج العالم إلى موارد خمسة كواكب اضافية. اما التقرير الاخير فأكد أن دولة قطر، مثلاً، تجاوزت موارد الأرض بعد 42 يوماً فقط منذ بداية السنة الجارية!
ورغم المآخذ على صعوبة تحديد «البصمة الايكولوجية» للدول والشعوب وعلى «الديون البيئية» التي ترتبت على الدول المتقدمة والاكثر استهلاكا للموارد، إلا أن طريقة التفكير التي تحدد هذه البصمة، لها اهميتها الاستراتيجية في المستقبل، لتحديد السياسات والاتجاهات، اذا قيض للعالم او للشعوب أن تنتج قيادات سياسية تتبنى مفاهيم مثل العدالة البيئية، وليس اي شكل آخر من العدالة المبني على قوة السيطرة او قوة المال أو حتى قوة العلم والتكنولوجيا.
تحديد هذه البصمة ايضا سهّل الحديث عن مفهوم الاستدامة ووضع قواعد جديدة للتفكير يقوم على ضبط الاستثمارات التي يفترض أن تتوقف عند قدرة الموارد على الاستمرارية. وهذا ما دفع دولاً كثيرة الى تغيير استراتيجياتها ومنظوماتها التشريعية واعطاء مساحة اكبر لضبط الاستثمارات عند الحد الذي لا تتسبب فيه بأضرار لا يمكن اصلاحها او تعويضها. وهو ما يتطلب متابعة حركة البضائع والخدمات ودراسة حياة المنتجات عندما تكون مواد خام وأثناء استخراجها وتصنيعها ونقلها وتسويقها واستهلاكها وتحوّلها الى نفايات، اضافة الى وضع اسس جديدة للعرض والطلب، بمعنى تحديد طلب الاستهلاك الانساني بحسب العرض الذي تقدمه الطبيعة، وليس بحسب قواعد السوق وسياسة العرض والطلب ضمنه.
ليست زيادة الاستهلاك في البلدان المتقدمة هي المسؤولة وحدها عن زيادة «البصمة البيئية» وتجاوز قدرات الارض. بل إن الزيادة السكانية في البلدان المصنّفة نامية تقوم بدور لا يقل خطورة على موارد الكوكب. وقد اكدت تقارير سابقة ان سكان المعمورة سيصل عددهم الى نحو 9 مليارات نسمة عام 2050، سيحتاجون الى ضعف الانتاج الذي يمكن لكوكبنا الصغير أن يوفره.
لقد تجاوزت البشرية، بشكل عام، المعدل العالمي المحدد بما يقارب 1,8 هكتار للفرد. ووقعت في عجز كبير لا يمكن تغطيته الا بتغيير نظامنا الحضاري برمته. وهذا يعني التضحية بالكثير مما يسمى حياة «الرفاهية»، والتخلي عن نصف استهلاكنا من الاسماك البحرية وخفض استهلاكنا للبروتين الحيواني ومشتقاته وتخفيف حجم انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكربون الى النصف ايضاً، مما يعني التخلي عن نصف عدد السيارات فوراً، ناهيك عن تقليل حجم استهلاك الطاقة من الوقود الاحفوري والعودة الى الطاقات المتجددة كالشمس والهواء والماء، وتخفيف حركتنا بشكل عام.
فهل تأخذ حكوماتنا هذه المعطيات في الاعتبار اثناء وضع السياسات واصدار القوانين؟