في إحدى الندوات المتعلقة بحقوق المرأة، يرفع شاب يده وسط حضور أغلبيته من النساء، يقف ويسأل: «أي حقوق تريدها المرأة؟ إذا كل ما بدنا نروح نتوظّف بقولولنا بدنا آنسة للعمل؟»، فيمازحه رجل آخر ويقول: «وصلنا إلى زمن على الرجل أن يطالب فيه بحقوقه». تعلو ضحكات الجمهور. لأن «النكتة» بحدّ ذاتها «قديمة»، وأصبحنا نسمعها كثيراً. ربما هي تعكس فعلاً الثقافة الذكورية الطاغية على المجتمع، فالبعض يقيس درجة التحرر فقط بدرجة «قصر» التنورة أو بأعداد المتخرجات الجامعيات، وكأنها بذلك تتجاوز سلطة الذكر.
من الماضي إلى الحاضر

من الماضي، شابات اختبرن جميع أشكال التمييز، من سلطة الأب والأخ والزوج التي تحكمت بجميع تفاصيل حياتهن الشخصية، إلى سلطة المجتمع الذكوري الذي حرمهن التعلّم والعمل وقيدهن بتقاليد وقيم كلها لمصلحة الرجل، حتى الدولة الذكورية التي بقوانينها فرضت اللامساواة بنحو صارخ. في الحاضر، شابات اختبرن التمييز أيضاً، وإن بشكل أقل. تخلصن جزئياً من الهيمنة المطلقة للرجل، تساوين معه في الحصول على التعلّم، وأخذن ينافسنه في بعض ميادين سوق العمل. بعض القيم والعادات تقلصت سلطتها، وقوانين قد تبدلت وأعادت الاعتبار للمرأة. من الماضي والحاضر نساء ناشطات في جمعيات حقوق المرأة، كسّرن قيود الرجل التي كبلت أيديهن على مدى العصور، عرفن أن المرأة لن تنال حقوقها إلّا بيديها.
لكن ظل هناك الكثير، والمشوار لا يزال في بدايته. اجتماعياً لا نزال نجد العنف الأسري، الاغتصاب، التحرش الجنسي، جرائم شرف، الزواج القسري، زواج القاصرات، النظرة الدونية والسلبية والتسليعية لجسد المرأة، والقوانين الاجتماعية الصارمة التي تتحكم بأسلوب الحياة وأسس العلاقات مع الرجل والوصاية التي يفرضها. اقتصادياً، لا تتعدى مشاركة المرأة بالحياة الاقتصاديّة 23 بالمئة (أي امرأة عاملة من كل أربع نساء في سن العمل) على الرغم من التحاقها بالتعليم الجامعي حيث تتقارب نسبة النساء الجامعيات بنسبة الرجال الحاصلين على مستوى تعليمي جامعي، تتلقى رواتب أقل من رواتب الرجال، قد تصل إلى نسبة 38% أقل، لمجرّد أنها امرأة، ومعظم العاملات أجيرات أكثر من كونهن ربّات عمل أو عاملات على حسابهن الخاص. قانوناً، يمنع عليهن إعطاء الجنسية لأولادهن، يتعرضن لإجحاف كبير في كل قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، من الإرث والطلاق وحضانة الأولاد والسفر، ويتعرضن للتمييز في قوانين العمل والضمان الاجتماعي والعقوبات وقانون التجارة. سياسياً، لم تتعدّ مشاركة المرأة في البرلمان اللبناني، في أحسن حالتها، ست نساء من أصل 128 نائباً جميعهن وصلن بقرار من رجل وتعويضاً عن غياب الزوج أو الأب. فيما اخترقت بضع نساء المناصب الوزاريّة، لكن بقرار من الرجل أيضاً، وليس بشكل مستقل.

جمعيات حقوق المرأة: أشكال وألوان

من جمعيّات تأخذ طابع دعم نساء ريفيّات، وأخرى جمعيات ثورية شبابيّة، أخرى تجسد العنصر النسائي في حزب سياسي، وأخرى جمعيّات تعنى بالعمل الخيري فقط، إلى جمعيّات خاصة بزوجات رجال أغنياء، وصولاً إلى جمعيّات اسمية فقط لكسب التمويل. منها من يعمل على موضوع محدد، فيفصل قضيته عن قضايا المجتمع ككل، ومنها من يرى أن تغيير وضع المرأة يحتاج إلى تغيير النظام من أساسه. جمعيات كثيرة أخذت من المرأة موضوعاً.
أكثر من 170 جمعيّة تعنى بحقوق المرأة موجودة على الأراضي اللبنانيّة. لم تجر العادة هكذا، ففي الماضي لم تكن أعدادهن تتجاوز أصابع اليد، وهذا التضخم حصل فقط في السنوات الأخيرة. الأمر في حالته الطبيعية يدل على تحسن ملحوظ في وعي النساء وحركة مكثّفة لنيل حقوقهن المشروعة. لكن الحالة للأسف غير طبيعيّة، ويمكن إلحاقها بظاهرة التنامي الفطري للمنظمات غير الحكومية في لبنان بسبب الأموال الخارجية المتدفقة. على كل حال، تقوم بعض هذه الجمعيات بأعمال مثمرة، وهذا أفضل من لا شيء.
ليندا مطر، المرأة التي تجاوز عمر نضالها ستين عاماً، جعل منها أيقونة نسوية بعقلها وبفكرها وبنضالها. تروي أولى تجارب جمعيّات حقوق المرأة، فتقول: «أول تجربة كانت عبارة عن لجنة نسائيّة طالبت بحق المرأة في الترشح والانتخاب، واستطاعت تحقيق مطالبها عام 1952. ثم تأسست من بعدها عدّة جمعيّات، إحداها «لجنة حقوق المرأة» التي تأسست عام 1947، وكانت أول جمعية نسائية تعنى بالقضايا السياسية والاقتصادية إلى جانب قضايا المرأة، وهذا ما دفعني إلى النضال في صفوفها. أنا أؤمن بأن قضية المرأة هي قضية مجتمع وقضية وطن وقضية نظام، ولا أعتبرها جزءاً منفصلاً عمّا يجري حولنا». وتضيف مطر: «في وقتنا، لم نكن نتقاضى التمويل، بل كنا ندفع من جيوبنا، وكانت أدوات النضال صعبة وتحتاج من المرأة التمرّد والتضحية ومجابهة المجتمع».

مناضلات صغيرات VS مناضلات كبيرات

مناضلات صغيرات لا تزال تجذبهن قضايا المرأة، ينخرطن من جديد في النضالات النسوية، ذوات شخصية قويّة نراهن يهتفن بحماسة في تظاهرات كثيرة. ظروفهن، تطلعاتهن، أساليبهن كلها مختلفة. تروي رؤى دندشي تجربة انخراطها في «التجمع النسائي الديموقراطي» على أنها كانت وسيلة للتمرد على البيت والمجتمع. «جذبتني قضايا المرأة لأنني وجدت أن التمييز لا يزال موجوداً ضدنا. وأردت التمرد على البيت والمجتمع. وعندما تطلعت أكثر على قضايا المرأة أقنعني أكثر هذا التوجه». تعترف بأنه في البداية عندما كانت تحاول إقناع صديقاتها وأصدقاءها الذكور بالقدوم إلى نشاطات تتعلق بالمرأة، كان الجميع يسخر منها، «لكن عندما كانوا يأتون بعد إلحاح، يجدون أن قضايا المرأة ما زالت ملحّة وبحاجة إلى النضال من أجلها». وعن الذي تغيّر من الأمس إلى اليوم في ما خص جمعيات حقوق المرأة وأساليب النضال تجيب: «تغيّرت أمور كثيرة. أصبحت وسائل النضال أسهل مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي إليها. صار الرجال يهتمون أكثر، ولا يخجلون من مشاركة المرأة في نضالها، باتت لدينا إحصاءات وأرقام ودراسات تساعدنا، وصرنا نحتك مباشرة مع النساء اللواتي يعانين التمييز».