منذ سنوات، تصدّر النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم المشهد القضائي. الرجل الذي يتولّى الادعاء والتحقيق في العديد من ملفّات الفساد وهدر المال العام ونهبه، لا ينفك يدّعي ويستدعي ويستمع ويستجوب... من دون نتائج تذكر، ومن دون أن يؤدي ذلك كله الى وضع فاسد واحد خلف القضبان. اتهامات بالجملة توجّه إليه بالتلكؤ في الادعاء ضد كبار الفاسدين، حتى تكاد تحوّله من مدّع إلى مدّعى عليه.
رغم الفساد الذي ينخر بالدولة ومؤسساتها لم يودع ابراهيم مسؤولاً واحداً خلف القضبان (الأخبار)

عُيِّن القاضي علي إبراهيم (1957) مدّعياً عامّاً مالياً عام 2010، بموجب مرسوم في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير العدل إبراهيم نجّار. كانت هذه المرّة الثالثة التي «يلعب» فيها الحظ إلى جانب ابن بلدة الوردانية في إقليم الخروب. المرّة الأولى كانت عندما نجح «ابن المعمرجي»، كما يُعرف بين أبناء بلدته، في امتحانات دار المعلّمين وعُيِّن أستاذاً للغة الفرنسية في مدرسة البلدة. ست سنوات، قضاها إبراهيم، المولود في العاشر من نيسان 1957، بين التعليم و«نجارة الباطون»، وكان خلالها «الأستاذ علي» صباحاً، و«المعلم علي» بعد الظهر مساعداً لوالده «المعمرجي». بيوت عدة في الوردانية شيّدها النائب العام المالي بيديه، ومنها منزله الذي يعيش فيه. عندما ابتسم الحظ له مرة ثانية وقُبل في معهد الدروس القضائية. ترك المدرسة و«خَيْط البُلبُل» وورش العَمَار و«عتالة» الباطون المجبول، ليحمل ميزان العدالة الأكثر ثقلاً.
قبل أن يتبوّأ إبراهيم منصبه، لم يكن أحد يسمع بالنيابة العامة المالية. هذا في حدّ ذاته «إنجاز»، بالنسبة إليه. غير أنّه، بالنسبة إلى كثيرين، ليس أكثر من «إنجاز صوتي»: يدّعي إبراهيم على من تحوم حولهم شبهات أو يستدعيهم... وبعدها، كفى الله الجميع شرّ قتال الفاسدين.
في ملف «غرق نفق المطار». ادّعى إبراهيم فعلاً، خلال أسبوعين، فنام الملفّ في أدراج قاضي التحقيق ست سنوات

فبعد تسع سنوات من تولّيه منصبه، ورغم الفساد الذي ينخر بالدولة ومؤسساتها إلى حد الإفلاس، لم يودَع مسؤول واحد خلف القضبان، حتى في القضايا التي بات معظم اللبنانيين يعرفون كل تفاصيلها وأسماء المتهمين فيها والمتورطين في النهب، من ملفات التخابر غير الشرعي، مروراً بسرقة الأملاك البحرية والمشاعات وملف الحسابات المالية للدولة ومليارات فؤاد السنيورة الـ 11، وليس انتهاءً بفيضانات «الشتوة الأولى» التي يغرق فيها البلد سنوياً جرّاء فساد متعهّدي الدولة. وبالمناسبة، فإن كثيرين استذكروا المدعي العام المالي مع الفيضانات التي أغرقت نفق المطار مطلع فصل الشتاء الحالي. فقبل ست سنوات، تماماً، صودف أن الرجل كان بين مئات احتُجزوا في سياراتهم ساعات طويلة في النفق نفسه عندما فاضت مياه الصرف الصحي جرّاء الأمطار الغزيرة. يومها، أعلن وضع يده على الملف وطلب من وزير الأشغال أسماء المتعهّدين. سنوات ست مرّت قبل أن... يتكرر مشهد الفيضانات نفسه! واقعة استدلّ كثيرون بها على صحة وصفهم للرجل بـ«الظاهرة الصوتية» من دون كبير أثر على الأرض، واتهامه بالتقصير في معركة استعادة المال العام المنهوب. لكن من الإنصاف القول إن الرجل لا يختصر المسار القضائي بشخصه. ففي ظل غيبوبة التفتيش القضائي وتلكؤ قضاة التحقيق سيصعب على أي مدّعٍ عام أن ينجز أكثر من ... الاستماع والاستجواب! هذا ما حصل، مثلاً، في ملف «غرق نفق المطار». فقد ادّعى إبراهيم فعلاً، خلال أسبوعين، في الملف الذي نام في أدراج قاضي التحقيق في جبل لبنان نقولا منصور ست سنوات، لم يصدر بعدها حكم بإدانة أيٍّ من المتعّهدين المقصّرين، بل مجرّد قرار ظنّي!
إلى ذلك، يؤخذ على إبراهيم أنه، إضافة إلى منصبه، هو أيضاً عضو لجنة الرقابة على المصارف، وقد رفض الانتقال إلى ديوان المحاسبة بسبب التعويضات التي تؤمنها له هذه العضوية. وهو «اتهام» يعتبره إبراهيم، بحسب مصادره، «وساماً» على صدره. فالرجل ليس من أصحاب الثروات، «وتمسكه بهذا الموقع كان من أجل تأمين أقساط المدارس لأبنائه الذين تخرجوا جميعاً في الجامعة اللبنانية وليس في جامعات خاصة». رئاسته لصندوق تعاضد القضاة، أيضاً، جرّت عليه اتهامات باستخدام هذا الموقع (ومناصبه الأخرى) لتأمين وظائف لأقاربه وأبناء بلدته. إذ يعمل خمسة من هؤلاء في الصندوق، كما يعمل ابن شقيقته في بنك لبنان والمهجر حيث الحساب الأمّ للصندوق. مصادر إبراهيم تردّ بأن حساب الصندوق موجود في «لبنان والمهجر» منذ ما قبل رئاسته للصندوق، كما أن ذلك لم يحل دون أن يستدعي رئيس مجلس إدارة المصرف واستجوابه لأكثر من ساعتين بسبب القيود غير القانونية التي فرضها «لبنان والمهجر» على المودعين. أما توسطه لتوظيف عدد من أبناء بلدته، فهو أمر لا تنفيه مصادر الرجل، متسائلة: «أين الخطأ في توسّطه لتوظيف كفوئين محتاجين للوظيفة؟».
وفق التقسيمات الطائفية على «الطريقة اللبنانية»، فإن موقع النائب العام المالي من «حصّة» الطائفة الشيعية، وقد حلّ فيه إبراهيم كاسم تسوية بين حركة أمل وحزب الله. فإلى أيّ حدّ يمكن الرجل أن يبقى خارج تأثير من كانت لهم اليد الطولى في وصوله الى منصبه الحالي؟ هنا، أيضاً، من الإنصاف القول إن أيّ قاض في لبنان يدين بوصوله الى موقعه لمرجعيته الطائفية السياسية، وبالتالي فإن تأثير هذه المرجعية في بلد المحاصصات الطائفية يصبح أمراً «طبيعياً». رغم ذلك، تؤكد مصادر إبراهيم أنه «لم يستجب يوماً لأيّ طلب يخالف مبادئه أو القانون»، من دون أن تنفي تلقّيه مئات الاتصالات والمراجعات في شأن كثير من الملفات، «وهو ما يحصل مع كل القضاة»... وطالما أنْ لا إصلاح قضائياً، على الأرجح سيبقى علي إبراهيم، وربما أيّ قاضٍ يحلّ محلّه،... يستدعي ويستمع ويستجوب.