«(...) تقرّر وفقاً لمطالعة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، الظن بالمدّعى عليهما ريمون بشير صايغ وكلود ملحم سمعان، المبيّنة كامل هويتهما أعلاه، بمقتضى الجنحة المنصوص عليها في المادة 466 من قانون العقوبات».تكفي هذه الفقرة التي اختُتم بها القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان، ساندرا المهتار، للقول إن الجزء الأول من قضية صوفي مشلب على درب القضاء انتهى بـ«انتصار». صوفي التي «شُلّت» حياتها بسبب خطأ طبي مرة أولى، ومرة ثانية بسبب تقرير كاذب صادر عن لجنة التحقيقات في نقابة الأطباء، استطاعت أمس أن تنتزع أول حقّ بالاعتراف بأن نقابة الأطباء، بنقيبها السابق ريمون صايغ ورئيسة لجنة التحقيقات كلود سمعان، هي أيضاً شريكة في «الجرم» الذي تسبب به مستشفى الروم وأربعة أطباء آخرين. بعد تلك الخطوة، لم يعد مهماً البحث في التفاصيل التي سلبت ابنة السنوات الخمس طفولتها، فالأولى بالأهمية الآن أن ثمّة قراراً قضائياً جريئاً يجرّم «رأس» النقابة ولجنة التحقيق فيها، بتهمة إصدار تقريرٍ كاذب لحماية أطباء «مرتكبين»، عن سابق تصور وتصميم، سنداً لمادة قانونية من قانون العقوبات (466)، تصل عقوبتها إلى السجن سنتين. وهذه المرة الأولى يحدث فيها مثل هذا الأمر، في مواجهة نقابة الأطباء التي دأبت على حماية المنتسبين إليها، برغم ارتكابهم أخطاء طبية ومخالفتهم لقانون الآداب الطبية.


هكذا، بعد عامٍ من صدور مطالعة المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، والتي طلبت فيها «الادّعاء على صايغ وسمعان بجرم إعطاء تقارير طبية كاذبة»، جاء القرار الظني مؤكداً، مسنوداً إلى مجموعة قرائن كافية للسير فيه نحو الإدانة. وإن كان هذا الدرب لن يعوّض الخسارة التي تعيشها عائلة مشلب كل يوم مع طفلة فقدت حواسّها كافة، بعدما شُلّ دماغها، إلا أنه سيكون «الهدية التي تقدمها صوفي إلى من ستخذلهم النقابة بعدها»، يقول الوالد فوزي مشلب. يعرف الأخير بأن المعركة التي يحملها ثقيلة جداً، لسببين، أولهما أنها قضية ابنته وثانيهما أنه يواجه مارداً بأمه وأبيه «ما حدا طلع راس معو». ولكنّه وصل، على الأقل «من خلال إثبات الجرم». ولئن كان يتمنى لو أن أحداً غيره خاض تلك المعركة و«ما صار ببنتي هيك»، لكنه من جهة ثانية يأمل بأن يكون أول من يثبت حق ابنته وحقوق الضحايا الآتين بعدها.
هذا أول الغيث في الشكوى المرفوعة منذ ثلاثة أعوام، حيث ينتقل الملف بعدها إلى القاضي المنفرد الجزائي في المتن لبدء جلسات المحاكمة. صحيح أن الدرب طويل بعد للوصول إلى الحق الكامل، ولكن على الأقل «بلشت العدالة تاخد مجراها»، يقول مشلب. وأول بداية هي الرسالة التي وصلت، بحسب القرار الظني، إلى النقابة بأنه ليس مسموحاً الاستهتار بتلك القضايا «فقط لأجل منح الحصانة لأطبائها».
هذا ما قاله القرار. في التفاصيل، توقفت القاضية المهتار - في الوقائع المتعلقة بالتقرير الطبي الكاذب - عند «حدثين» كانا نافرين، أولهما تعمّد لجنة التحقيقات إخفاء السبب الأساس الذي أدى إلى الخلل الدماغي الذي تعاني منه الطفلة، حيث «لم تعط اللجنة رأياً واضحاً، واكتفت بتعداد الأسباب التي قد يكون هذا الخلل ناجماً عنها وحصرتها في خمسة أسباب أساسية». ولم تكتف بذلك، بل اتبعت من جهة أخرى سياسة استنسابية في انتقاء الآراء الطبية حيث «إن بعض الأسباب المعدّدة في التقرير أخفت آراء طبية مخالفة وأغفلت مناقشة تبريرات علمية جدية تناقضها كما خالفت في جزء منها مضمون تقارير طبية صادرة عن الأطباء المعالجين أنفسهم (...) وذلك بهدف منع ظهور هذه الأسباب من ضمن الأسباب المحتملة للضرر الدماغي اللاحق بالطفلة». وما يعني ذلك حكماً من «إخفاء للصلة السببية التي قد تكون متوافرة بين تلك الأسباب والضرر المحقّق وما قد يستتبعه أو لا يستتبعه ذلك من تأثير على تحديد المسؤوليات». أما الثاني، فهو ما يتعلق بـ«لا مبالاة ولا مسؤولية» سمعان وصايغ تجاه «وظيفتهما» كطبيبين قبل أن يكونا مسؤولين. فسمعان عندما ووجهت بأن صورة الرنين المغناطيسي للطفلة تؤشر إلى أن المشكلة الدماغية حدثت قبل العملية الجراحية الثانية، ردّت بأن «تاريخ الصورة (...) مجرّد خطأ مطبعي»، وهو ما اعتبرته القاضي المهتار في قرارها «إدلاء غير مقبول، نظراً إلى أن التقرير صادر عن لجنة تحقيق مهنية رفيعة المستوى (...)». أما صايغ، فاعتبر أن توقيعه على التقرير كان فقط بهدف إحالته إلى مجلس النقابة، وليس لأنه مسؤول. هكذا، بتصريحٍ «لا مسؤول» يضرب صايغ مبدأ قانون إنشاء نقابتي الأطباء الذي يعتبر أن «وظيفة» النقيب والموقع الذي يشغله «لا يقتصران في مهامه على مصالح المهنة وحقوق الأطباء بل يمتدان إلى الدور الذي أولاه إياه المشترع في مجال الصحة العامة والسعي لحل النزاعات التي تقع بين الأطباء أو بينهم وبين مرضاهم».
لكل تلك الأسباب، كانت المادة 466 عقوبات التي تصل عقوبتها إلى سنتين سجناً لكلّ «من أقدم حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية على إعطاء شهادة كاذبة معدّة لكي تقدم الى السلطة العامة أو من شأنها أن تجرّ على الغير منفعة غير مشروعة أو أن تُلحق الضرر بصالح أحد الناس (...)».