عاد صراع الأجهزة في مصر مجدداً إلى الواجهة لكن هذه المرة وسط الدائرة المحيطة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وليس بين جهازَي المخابرات العامة والحربية كما العادة، أو بين «العامة» ومكتب الرئيس. تقول مصادر مطلعة إن «اتخاذ القرار النهائي بيد السيسي الذي لا يزال يستمع جيداً لمدير العامة اللواء عباس كامل»، رغم أن الأخير واجه انتقادات حادة من داخل أجهزة الدولة بسبب طريقة إدارته عدداً من الملفات، إذ لم يعد كامل صاحب القرار الوحيد بعد ضجة المقاول محمد علي نهاية العام الماضي، وإنما حظي أشخاص آخرون في الدولة بثقة الرئيس بسبب صحة تقديراتهم أحياناً.هذه المرة عادت الأزمة من باب انتشار فيروس كورونا. فبينما طالب وزير المخابرات بـ«إغلاق المدارس والجامعات» من وقت مبكر، رفضت «الحربية» القرار لـ«تداعياته السلبية وإثارته القلق لدى المواطنين،» وهو ما دفع كامل إلى إصدار توجيهات مباشرة لوسائل الإعلام التي يشرف عليها بإبراز صرخات الأمهات والآباء للمطالبة بتعليق الدراسة. وعلى عكس إرادة وزير التعليم، طارق شوقي، نجح كامل في إقناع السيسي باتخاذ القرار مع تكثيف عمل اللجان الإلكترونية، وذلك من باب أن شعبيته قد تتأثر في حال تأخر باتخاذ القرار، مع أنه رُصدت سبع إصابات فقط من أصل 25 مليون طالب في المدارس والجامعات.
خوّف كامل السيسي من تأثر شعبيته في حال تأخر وقف الدراسة


القرار المفاجئ للسيسي أربك جميع المسؤولين بمن فيهم شوقي الذي لم يعرف ماذا يقول للمعلمين، خاصة أنهم أعلنوا جدول امتحانات الثانوية العامة، فاضطر إلى أن يبلغهم باستكمال الفصل عبر التعليم عن بعد. وتفيد المصادر بأن السيسي استدعى رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، إلى قصر الاتحادية، ليبلغه قرار تعليق الدراسة مباشرة والعمل على حلّ تداعيات القرار، في اجتماع لم يستمر طويلاً، وخرج بعده مدبولي مسرعاً إلى مقر الحكومة ليجلس في مؤتمر صحافي غير مرتب مع الوزراء، متحدثاً عن القرار وأسبابه وتداعياته. وجاء بعده مؤتمر آخر لوزيرَي التعليم والتعليم العالي من دون أن يكون لديهما ما يمكن أن يوضحاه بالتفصيل بسبب غياب التوافق على آليات التعامل مع العام الدراسي، أو ما تبقّى منه.
مجدداً، استطاع كامل استعادة جزء من القرار من «بوابة كورونا»، ولم يكن ذلك سياسياً وإدارياً فقط، بل إعلامياً، ولا سيما أن «الحربية» كانت قد حاولت في التعديل الحكومي الأخير العودة بقوة في ملف الإعلام، عبر تعيينها وزيراً للدولة لشؤون الإعلام هو المحرر العسكري السابق أسامة هيكل، ليكون لسانها ومندوبها في ملف أقصيت عنه خلال العامين الماضيين. لكن الحادثة الحالية تظهر أن كامل يستمر بقوة في الدائرة المقربة من الرئيس برغم أخطائه.
هكذا، تبدو الدولة مقبلة على عودة للصراع بقوة بين الأجهزة ارتباطاً بالأزمات المتتالية، وخاصة في شؤون قرارات مصيرية ومهمة، مع الأخذ في الاعتبار أن توجيهات صدرت من السيسي ومُررت إلى الإعلام، تقول إنه لا يوجد مصادر لتمويل مواجهة الفيروس، وفي مقدمتها توفير مئة مليار جنيه لا تمتلكها الدولة حالياً. حتى الآن لا يبدو أن هناك أفقاً للمصالحة بين جهازَي المخابرات مباشرة أو غير مباشرة، فيما يعجز رئيس الحكومة عن اتخاذ إجراءات حاسمة في ظل كونه منفذاً للتعليمات التي تصل، من دون أن يحاول إبداء أي رأي على المستوى الشخصي، بل تقول المصادر إنه يعرض ما يقدم إليه من بين التقارير على الرئيس ثم ينفذ.