أجرتها ماري سوليسترجمة وليد شرارة

أغلبنا غير متأكد تماماً مما ينبغي عليه فعله ولمن عليه الانصات. الرئيس دونالد ترامب ناقض توصيات مراكز الوقاية من الأوبئة ومكافحتها، والتشوّش الناتج عن ذلك ضيّق الفسحة الزمنية المتاحة للحد من أضرار الوباء السريع الانتشار. هذه الظروف مثالية بالنسبة للحكومات وللنخبة المعولمة لانفاذ أجندات كانت ستلاقي معارضة عارمة لو كنا أقل تشوشاً وضياعاً. مسلسل الأحداث الحالي ليس خاصاً بالأزمة التي فجرها فيروس «كورونا»، بل هو المخطط نفسه الذي اتبعه السياسيون والحكومات منذ عقود، وهو «عقيدة الصدمة»، عنوان كتاب المفكرة والناشطة الكندية نعومي كلاين، الصادر في 2007، والتي بلورت هذا المفهوم. وكلاين من أبرز الرموز الفكرية لحركة مناهضة العولمة النيوليبرالية التي انطلقت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهي ترى أن التاريخ هو تسلسل من «الصدمات» العسكرية والبيئية والاقتصادية وما ينجم عن كل منها من تداعيات. هذه التداعيات في زمننا المعاصر هي «رأسمالية الكوارث»، أي حلول يفرضها منطق السوق المتحرر من أية قيود للأزمات تستغل وتعمق الفوارق الاجتماعية الموجودة. نعومي كلاين أوضحت في مقابلة مع موقع «فايس» (vice) كيف تفسح «صدمة» فيروس «كورونا» المجال لسلسلة الأحداث التي سبق أن تناولتها في كتابها «عقيدة الصدمة» الصادر منذ أكثر من 10 سنوات.

لنبدأ من خلال العودة للاسس. ما هي رأسمالية الكوارث وما هي علاقتها بـ«عقيدة الصدمة»؟
تعريفي لرأسمالية الكوارث مباشر وغايته توضيح كيفية قيام الشركات الخاصة الكبرى باستغلال الأزمات الواسعة النطاق لتحقيق أرباح طائلة. الاستفادة من الكوارث والحروب ليست بالأمر الجديد، لكنها شهدت تطورا نوعيا في ظل ادارة بوش الابن بعد عمليات 11 أيلول 2001، عندما أعلنت الأخيرة عن حالة أزمة أمنية دائمة، وقامت بخصخصة عملية ادارتها والتعامل معها. وقد شملت هذه الخصخصة المستوى الداخلي، من خلال قيام دولة أمن قومي خاصة، والخارجي مع خصخصة غزو واحتلال العراق وأفغانستان. عقيدة الصدمة هي الاستراتيجية السياسية التي توظف الأزمات الواسعة النطاق لفرض سياسات تعمق الفوارق الاجتماعية وتزيد من ثراء النخب وتفقر جميع الآخرين. في لحظات الأزمات يركز الناس على الأولويات المرتبطة بضمان شروط البقاء ويميلون لمنح ثقة زائدة الى من هم في السلطة.

الى أين تعود أصول هذه الاستراتيجية السياسية وما علاقتها بالتاريخ السياسي الأميركي؟
«عقيدة الصدمة» كانت ردا على سياسة الـ«نيو ديل» (الصفقة الجديدة) الأصلية التي اعتمدها الرئيس فرانكلين روزفيلت. رأى الاقتصادي ميلتون فرديمان أنها سبب جميع الشرور في أميركا لأنها دفعت الحكومة الأميركية، في مواجهة الكساد الكبير، الى اتباع سياسة تدخلية لحل الأزمة الاقتصادية عبر خلق وظائف حكومية وتقديم الاغاثة المباشرة. اذا كنت من أصوليي حرية السوق، فلا بد أنك تعرف أن انهيار السوق يفتح الباب أمام تغييرات تقدمية بدلا من سياسات رفع القيود والضوابط عن حركة رأس المال المنسجمة مع مصالح الشركات الكبرى. تمت بلورة «عقيدة الصدمة» للحؤول دون تحول الأزمات الى نوافذ فرص تسمح بانتهاج سياسات تقدمية. النخب السياسية والاقتصادية تفهم من منظورها أن الأزمات توفر لها أيضا فرصا للضغط من أجل انفاذ «لائحة مطالبها» من السياسات والاجراءات غير الشعبية التي تفاقم الاستقطاب الاجتماعي في هذه البلاد وعبر العالم.

نواجه اليوم مجموعة من الأزمات في الآن نفسه: وباء عالمي ونقص في البنى التحتية لمواجهته وانهيار في الأسواق المالية. كيف نستطيع فهم هذه التطورات انطلاقا من الاطار النظري الذي اقترحته في كتابك «عقيدة الصدمة»؟
الصدمة اليوم هي الفيروس بذاته. ويجري التعامل مع تفشية بطريقة تضاعف من الارباك وتحد من الحماية. لا أعتقد أننا أمام مؤامرة بل أمام طريقة ترامب والحكومة الأميركية المغلوطة تماما في معالجة الأزمة. ترامب لم يتعامل معها على أنها أزمة صحة عامة ولكن أزمة تصورات وعقبة محتملة تحول دون اعادة انتخابه. انها أسوأ السيناريوهات، نظرا لأنها تأتي في سياق عدم امتلاك الولايات المتحدة لمشروع وطني للرعاية الصحية وأن الضمانات المقدمة للعمال مزرية. تضافر هذه الظروف ضاعف من أثر الصدمة التي سيتم استغلالها لانقاذ الصناعات المتعثرة، والتي كان لها دور مركزي في انتاج الأزمات الخطيرة التي نشهدها، كالأزمة البيئية: صناعة الطائرات والنفط والغاز والسفن السياحية.

هل اتبعت سياسات مشابهة في السابق؟
في «عقيدة الصدمة»، ذكرت كيف وضعت هذه السياسة موضع التنفيذ بعد اعصار كاترينا. مراكز الدراسات في واشنطن، مثل مؤسسة «هريتيج»، اجتمعت وتقدمت بلائحة حلول لمفاعيل الاعصار لا تتعارض مع «حرية السوق». نستطيع أن نجزم بأن اجتماعات مشابهة تعقد اليوم ولا بد من التذكير بأن الشخص الذي رأس ما سمي بمجموعة كاترينا هو مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي الحالي. رأينا أيضا سيناريو مماثلاً في 2008 عندما قدمت الحكومات الدعم للبنوك عبر تحريرها لشيكات بلا رصيد وصلت قيمتها الى عدة تريليونات من الدولارات. القيمة الفعلية دفعت بعد ذلك عبر سياسات التقشف الاقتصادي والخفض الهائل للخدمات الاجتماعية. الأمر لا يتعلق اذن فقط بما يحصل الآن ولكن بكيفية الدفع عندما يحين موعد هذه المستحقات.

ما الذي يمكن للناس القيام به للحد من الخسائر الناجمة عن رأسمالية الكوارث وهل نحن في وضع أفضل أو أسوأ من ذلك الذي ساد خلال اعصار كاترينا أو خلال الانكماش الاقتصادي العالمي الأخير؟
عندما نتعرض لامتحان الأزمات، إما أن نتراجع وننهار او نتماسك ونجمع ما نختزنه من موارد قوة وتكافل لم نكن ندركها في ما قبل. سنكون أمام امتحان من هذا النوع حاليا. ما يحدوني الى بعض الأمل بأننا قد نأخذ بالخيار الثاني، بعكس سنة 2008، هو أن لدينا بديلاً سياسياً راهناً يقدم مقترحات جذرية لمعالجة الأزمة وحركة سياسية عريضة تسانده. كل الجهود التي بذلت من أجل صياغة «نيو ديل» أخضر جديد هدفها الأساسي كان الاستعداد للحظة كتلك التي نعيشها اليوم. لا نستطيع الا التحلي بالشجاعة والكفاح بتصميم أكبر من أي وقت مضى من أجل رعاية صحية عالمية ورعاية للأطفال عالمية واجازة مرضية مدفوعة الأجر وجميع هذه الأهداف مترابطة.