أصرّ الرئيس السابق للاتحاد الاوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني على أن تكون النسخة الـ16 لكأس اوروبا استثنائية بامتياز، وذلك للاحتفال بالعيد الـ60 لإطلاق ثاني اهم بطولة على صعيد المنتخبات في العالم، والتي بلا شك اكثر بطولة تنافسية على هذا الصعيد بسبب رفعة مستوى البلدان التي تتأهل اليها.ولهذه المناسبة قرر «اليويفا» وقتذاك منح شرف الاستضافة الى 12 مدينة في 12 بلداً اوروبياً مختلفاً، وذلك في اشارة واضحة الى ان اوروبا هي بمثابة البلد الواحد، وخصوصاً بعدما سقطت الحدود بين دولها وباتت سماء الـ«شينغن» تجمعها.
لكن الحدود هي المشكلة التي قضت اليوم على أي أملٍ في امكانية تنظيم البطولة القارية هذا الصيف، اذ أغلقت بلدان اساسية، ومنها مضيفة للحدث، حدودها مع جيرانها للحدّ من انتشار وباء «كورونا» المستجد الذي تسلل اليها.
هذه البلدان كانت تنتظر التنعّم بالارباح الناتجة عن استضافتها للمباريات، من العاصمة الايطالية روما التي كانت ستستضيف مباراة الافتتاح، مروراً بميونيخ الالمانية، وباكو الآذرية، وأمستردام الهولندية، وكوبنهاغن الدنماركية، وغيرها، ووصولاً الى لندن التي كان ملعبها الشهير «ويملبي» سيحتضن المباراة النهائية. كلّها توقّعت ارباحاً بالملايين، إذ ذكر تقرير بريطاني سابق ان استضافة العاصمة الايرلندية دبلن لثلاث مباريات في دور المجموعات واخرى في دور الـ16 ستعود عليها بأرباح صافية قدرت بـ106 ملايين يورو، اضافةً الى تحريك كل القطاعات الاقتصادية في البلاد.
خسر الاتحاد الاوروبي ملياري يورو بمجرد تأجيل كأس أوروبا


لكن هذه القطاعات تلقّت الصفعة الاولى، إذ إن «اليويفا» لمّح الى تأجيل البطولة عندما اتخذ اول قراراته بإلغاء حجوزات الفنادق في كوبنهاغن، التي لم تكن تحلم بمنافسة كبار مدن القارة لاستضافة «اليورو» الذي يذهب غالباً للحلول في البلدان المقتدرة وصاحبة الكثافة السكانية الضخمة أو لبلدين اصغر حجماً اذا ما تعذّر ايجاد بلدٍ كبير مهتم بالحصول على هذا الشرف.
والاتحادات الوطنية للدول الكبرى كانت تنتظر «يورو 2020» على أحرّ من الجمر، بحكم منح جوائز مالية تصل الى 371 مليون يورو، بحيث تضمن 9.25 ملايين بمجرد التأهل الى النهائيات، على أن تصبح الجوائز المالية تصاعدية من دور المجموعات حيث يحصل الفائز في المباراة على 1.5 مليون (مقابل 750 الف يورو لكل منتخب في حال التعادل)، بينما تبلغ جائزة الفائز بالنهائي 10 مليون يورو.
أرقامٌ كبيرة تتخطى في مكانٍ ما تلك الممنوحة للمنتخبات في كأس العالم، وكانت بالتأكيد ستنعش الخزائن المالية للاتحاد وتدفع عجلة التطوّر بشكلٍ اكبر في الكرة الاوروبية، لذا لم يكن مستغرباً ان يصف رئيس «اليويفا» السلوفيني ألكسندر تشيفيرين الوضع العام بعد قرار التأجيل بالأزمة الاكبر في تاريخ اللعبة.
الاتحاد القاري بدوره يبدو متضرراً الى حدٍّ كبير، وهو الذي كان قد وضع ميزانية السنوات الاربع المقبلة بناءً على ارباحه من البطولة الكبرى، ما سيعطّل الكثير من برامجه التطويرية، وخصوصاً تلك المرتبطة بالبلدان الصغيرة الساعية للحاق بالكبار. و«اليويفا» انتظر ارباحاً بقيمة مليارَي يورو من خلال المعلنين وبيع حقوق النقل التلفزيوني، وهو مبلغ لن يصله، أقله حتى صيف العام المقبل، بعد تجميده منطقياً من قبل الجهات المتضررة من قرار تأجيل «اليورو».
طبعاً المعلنون والرعاة لهم حصتهم من الخسائر المالية التي ستؤثر على ميزانياتهم، وبالتالي على انتاجهم للسنة المقبلة، ويمكن اخذ شركة «أديداس» الالمانية المصنّعة للتجهيزات الرياضية كمثالٍ صارخٍ على هذا الصعيد.


هذه الشركة التي لمست تراجعاً، ولو بسيطاً، في اسواقها الخارجية، وتحديداً الاميركية والآسيوية، خلال عام 2019 بفعل المنافسة المحتدمة مع الشركات الاخرى، كانت تبني على كأس اوروبا لرفع نسبة مبيعاتها، وهي التي تقوم برعاية منتخبات بارزة في القارة على غرار المانيا واسبانيا. لكن بمجرد تأجيل البطولة، تراوحت خسائرها بشكلٍ فوري بين 50 و70 مليون دولار، ما يعني نسبة 0.3% من مجموع عائداتها في العام الماضي، في وقتٍ كانت تتوقّع فيه ارتفاع ربحها السنوي من 6.1 مليارات يورو الى 10 مليارات بفعل اقامة «اليورو» ودورة الالعاب الاولمبية في طوكيو.
هي الخسائر التي تطال الجميع الآن، فالاتحاد الانكليزي مثلاً حدّد حجم خسائر تأجيل البطولة بـ100.8 مليون يورو على الاقل، وهو الذي كان قد استثمر مبلغاً في البرنامج الاعدادي لمنتخبه من دون ان يرتبط بأي عقد تأمين يحمي ما دفعه.
من هنا، قد تكون الاجراءات المالية المقبلة قاسية الى حدٍّ ما، وسط توقعات بتخفيض حجم الجوائز المالية في البطولات المختلفة، بينما قد يلجأ الاتحاد الاوروبي الى الطلب من الاندية الكبيرة المساهمة في عملية تقليص حجم الخسائر التي لحقت به، وذلك من خلال دفع مبالغ تراوح بين 200 و300 مليون يورو بالنسبة الى كل بطولة وطنية كبرى، وخصوصاً ان قرار التأجيل لحظ مصلحة هذه الاندية وبطولاتها التي أُعطيت المجال لإنهاء موسمها بشكلٍ طبيعي.